هناك الكثير من العوامل التي تؤثر على اختيارات الأطفال المرتبطة بالطعام: أين يتناولون الطعام، وما يأكله أصدقاؤهم وأقاربهم، وما يتناوله الآباء والأمهات من مأكل ومشرب وما يحضرونه من طعام إلى المنزل، ونوعية الأطعمة التي تقدم إليهم في المدرسة، وبطبيعة الحال ما يروق لهم من طعام.
إلا أنه إذا كان لديك طفل، هل كنت سترغب في أن يجري تحديد اختيارات أطفالك المرتبطة بالطعام والشراب من قبل جهات تصنيع يتمثل هدفها الوزيرى في جني المال من خلال اجتذاب الأطفال وجعلهم يتعلقون بمنتجات تحوم الشكوك حول قيمتها الغذائية؟ وتتسم هذه القضية بأهمية خاصة الآن في ظل تفاقم معدلات البدانة في أوساط الأطفال بمختلف أرجاء البلاد، الأمر الذي يعد ناجما في جزء منه عن جهود تبذلها كيانات تجارية.
الشهر الماضي، منح «مركز العلوم في المصالح العامة»، وهي جماعة ضغط تتخذ من واشنطن مقرا لها، تصنيف «إف» إلى 95 من إجمالي 128 دولة تعمل بمجال الأغذية والتسلية بسبب السياسات التي تنتهجها - أو افتقارها من الأساس إلى سياسات - بمجال التسويق بين الأطفال.
ويأتي هذا رغم إعلان «مبادرة الإعلان عن أغذية ومشروبات الأطفال» التي أطلقت عام 2006 من جانب «بيتر بيزنس بورو»، أنها لن تسوق أطعمة موجهة إلى الأطفال دون الـ12 من العمر حال عدم توافقها مع المعايير الغذائية الخاصة بالشركة المعنية ذاتها. جدير بالذكر أن 16 شركة غذائية ومطعما شهيرا، تشكل قرابة 80% من نفقات الإعلانات التلفزيونية المرتبطة بالغذاء، انضمت إلى المبادرة.
بيد أنه للأسف الشديد رغم هذه الجهود تبقى مشكلة كبرى، وهي أن ما تعده شركة مثل «كيلوغ» قدرا مقبولا من السكريات في وجبة حبوب يجري تناولها في الإفطار ربما لا تكافئ الكمية التي ربما يفضلها الآباء والأمهات المدركين لحقائق التغذية.
يتمثل المستوى الذي أقرته «كيلوج» في 12 غراما (ما يعادل ثلاث ملاعق من السكر)، الأمر الذي يبقيهم بعيدا عن حجم السكريات في منتجات «كوكو كريسبيز» البالغة 14 غراما من السكر في كوب واحد وذلك بالنسبة لأطعمة الأطفال.
ومع ذلك، ما يزال من الممكن نشر إعلانات لصالح «فروستيد فليكز»، التي تضم 11 غراما من السكريات عبر الوسائل التي يمكن إطلاع الأطفال البالغين من العمر 6 أعوام أو أكثر عليها. (لا تستهدف الشركة في إعلاناتها الأطفال دون السادسة من العمر).
أيضا، نظرا لأن كل شركة تحدد الخطوط الإرشادية الخاصة بها، فإن ما ينطبق على منتجات «كيلوغ» ربما لا ينطبق على منتجات شركات أخرى مثل «جنرال ميلز» أو «بوست».
من جانبها، علقت مارغو جي. ووتان، مديرة شؤون سياسة التغذية التابعة للمركز، بقولها: «رغم نظام التنظيم الذاتي المتبع داخل صناعة الأغذية، فإن الغالبية العظمى من شركات الأغذية والتسلية لا تقر إجراءات وقاية وحماية بالنسبة للأطفال».
في إطار «تحليل التسويق بين الأطفال» الصادر عن المركز، الصادر نوفمبر (تشرين الثاني)، كانت الفئة العليا، «بي بلس»، من نصيب شركة «مارز» المتخصصة في إنتاج الحلوى، والتي لا تحرص على عدم الترويج لمنتجاتها في أوساط الأطفال دون الـ12 من العمر، وتتجنب الأدوات التي ربما تجذبهم إليها.
وقال دكتور ووتان: «لو كانت الشركات تروج للموز والقنبيط، لم نكن لنشعر بالقلق، لكن بدلا من ذلك تتعلق غالبية نشاطات التسويق بحبوب مسكرة وأطعمة سريعة التحضير وأخرى خفيفة وحلوى. ويعد هذا الترويج للأطعمة الجاهزة أحد العوامل الكبرى التي تسهم في البدانة بين الأطفال».
علاوة على ذلك، كشف التحليل أنه رغم امتلاك 64% من شركات الأغذية التي توجه إعلاناتها إلى الأطفال صورة ما على الأقل لسياسة تسويقية، فإن 24% فقط من المطاعم و22% من شركات التسلية لديها سياسات إرشادية تحكم إعلاناتها الموجهة إلى الأطفال.
في إطار دراسة صدرت في مارس (آذار) 2007، توصلت «مؤسسة هنري جيه. كايسر الأسرية» إلى أن الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 2 و7 أعوام يشاهدون في المتوسط 12 من الإعلانات التلفزيونية المتعلقة بالغذاء يوميا، أو 4.400 إعلان سنويا، وأن الأطفال بين 8 و12 عاما يشاهدون يوميا في المتوسط 21 إعلانا غذائيا يوميا - ما يتجاوز 7.600 إعلان سنويا.
بالنسبة للمراهقين، يبلغ عدد الإعلانات 17 يوميا، أو أكثر من 6.000 إعلان سنويا. وخلصت المؤسسة إلى أن نصف مجمل وقت الإعلانات المرتبط ببرامج الأطفال مرتبط بمنتجات غذائية.
وأشارت المؤسسة في تقريرها إلى أن «معظم الإعلانات الغذائية التي يشاهدها الأطفال والمراهقون على شاشات التلفزيون تتعلق بأغذية يرى خبراء التغذية والجمعيات الرقابية والوكالات الحكومية أنه ينبغي إما تناولها باعتدال أو من حين لآخر أو بكميات قليلة.
من بين 8.854 إعلان تفحصتها الدراسة، لم ترد إعلانات حول فواكه أو خضراوات موجهة إلى الأطفال أو المراهقين».
من ناحية أخرى، خلصت الكثير من الدراسات إلى أن الإعلانات التلفزيونية تترك بالفعل تأثيرا - بمعنى أدق تأثير سلبي - على أنماط الطعام التي يتناولها الأطفال وكيفية تناولهم للطعام. مثلا، توصلت دراسة أجريت على 548 طالبا في خمس مدارس عمومية بالقرب من بوسطن، ونشرت عام 2006 في دورية «سجلات طب الأطفال والمراهقين» (أركايفز أوف بدياتريك آند أدولسنت ميديسين)، إلى أنه مقابل كل ساعة إضافية من مشاهدة التلفزيون، يستهلك الأطفال 167 سعرا حراريا، خاصة من الأطعمة ذات السعرات الحرارية المرتفعة والقيمة الغذائية المنخفضة التي يجري الترويج لها بالاستمرار عبر التلفزيون.
الآن، تشير دراسة جديدة إلى أنه حان الوقت لاتباع سياسات أكثر حنكة إزاء الترويج للأغذية والمشروبات والمطاعم ذات القيم الغذائية المشبوهة التي تظهر في أفلام تلقى رواجا في أوساط الأطفال والمراهقين.
وأكد القائمون على الدراسة أن «الأفلام تشكل مصدرا قويا للإعلان في أوساط الأطفال، لكن جرى تجاهله بدرجة كبيرة».
نشرت الدراسة في مارس (آذار) في دورية «بدياتريكس» (طب الأطفال)، وعمدت إلى تحليل العلامات التجارية الخاصة بالأغذية والمشروبات والمطاعم التي وردت في أعلى 20 فيلما من حيث الإيرادات سنويا خلال الفترة بين عامي 1996 و2005.
من بين الـ138 فيلما التي خضعت للدراسة، نال 49% منها تصنيف «بي جي -13»، ونالت 20.5% «بي جي»، بينما حصل 7.5% على تصنيف «جي».
وقال القائمون على الدراسة: «توصلنا إلى أن نسبة كبيرة على نحو مثير للدهشة من الأفلام الموجهة إلى الأطفال والمراهقين تتضمن ظهور علامات تجارية شهيرة».
من ناحية أخرى، رغم التزام «كوكا كولا» و«بيبسي» منذ أمد بعيد بتعهدهما عدم الإعلان عن منتجاتهما في البرامج الموجهة إلى الأطفال، توصل الباحثون إلى أن «المنتجات الغذائية المحلاة بالسكر الصادرة عن هاتين الشركتين تظهر بانتظام في الأفلام، خاصة الموجهة للأطفال والمراهقين».
من بين الـ1.180 ظهور للعلامات تجارية التي حددتها الدراسة، كان 26% منها لحلوى و21% منها لوجبات خفيفة مملحة و76% مشروبات محلاة بالسكر، أما ثلثا المطاعم فكانت مخصصة للوجبات السريعة. ووجدت الدراسة أن «المشروبات الخفيفة ورقائق البطاطا والعلامات التجارية المرتبطة بالأغذية السريعة هيمنت على الأفلام المنتمية إلى التصنيفين «بي جي» وبي جي -13».
وتوصل الباحثون بقيادة ليزا إيه. سذرلاند، من «مركز دارتماوث الطبي»، إلى أنه في المتوسط يظهر في الفيلم الواحد 8.6 علامة تجارية، وأن معظمها يخص «أغذية عالية الطاقة وتحوي قيمة غذائية قليلة».
جدير بالذكر أن ظهور «ريز بيسيز» (نوع من الشوكولاته المخلوطة بمربى الفول السوداني) في فيلم «إي تي» أدى إلى زيادة كبرى في مبيعاته على مدار الشهور الثلاثة التالية لطرح الفيلم في دور العرض عام 1982.
وأشار القائمون على الدراسة إلى أن «ظهور علامات تجارية في الأفلام يرقى لمستوى الإعلان اللاوعي، ومع ذلك جرى تجاهل هذا الأمر في معظمه من قبل المهتمين بدراسة تأثير التسويق على الأطفال».
وأعرب الباحثون عن قلقهم على نحو خاص حيال تأثير ظهور علامات تجارية غذائية في الأفلام المصنفة «بي جي» و«بي جي -13» التي يشاهدها أطفال ومراهقون «والذين بدأوا في اكتساب مزيد من الاستقلالية في اختياراتهم الغذائية»، مشيرين إلى أن هذا «يوفر مسارا ممكنا يمكن من خلاله بناء شعبية للعلامة التجارية وتفضيل لمنتجاتها».
ماذا يمكن أن نفعل حيال ذلك؟ مثلما اعترض الآباء والأمهات وآخرون على بيع مشروبات الصودا المحلاة بالسكر في المدارس، والإعلان عن منتجات غذائية في القنوات المخصصة للأطفال، ربما حان الوقت للتعبير عن هذه المخاوف أمام منتجي الأفلام فيما يخص ظهور علامات تجارية غذائية في الأفلام باعتبارها تضر الصحة وتزيد أوزان أطفال أميركا.