تجارة ألعاب الأطفال من أنشط أنواع التجارة لأنها تمتلك سوقاً عريضة، تتنوع الخيارات فيها حسب البيئات والشرائح الاجتماعية وتتدرج الأسعار من الرخيص والزهيد الذي يناسب شريحة ذوي الدخل المحدود وحتى باهظ الثمن والذي يتوجه صناع الألعاب فيه لطبقة غنية وميسورة.
واللافت أنها تنشط في سوقنا المحلية بشكل واضح للعيان، فمنذ عام 2001 عندما فتح باب الاستيراد على مصراعيه وتدفقت السلع الآسيوية وعلى رأسها الصينية، حدثت مفارقة في مجال صناعة ألعاب الأطفال، فأمام الإغراق الذي شهدته السوق في السنوات الأخيرة بألعاب الأطفال، أغلق الصناعيون معاملهم وصرفوا عمالهم وتحولوا إلى تجار درءاً للخسارة ولركوب الموجة بغض النظر عن إمكانية تطوير هذه الصناعة لتنافس، لكنها لم تصمد لعدم اهتمام المعنيين ولسعي الصناعيين الذين أصبحوا تجاراً وراء مصالحهم وتحقيق الأرباح. مستهلكون للألعاب المستوردة إن تجارة ألعاب الأطفال إلى جانب تحقيقها لأرباح مالية، تحمل جانباً خطيراً يتمثل في قدرة لعب الأطفال على ترسيخ قيم ثقافية لمجتمع ما في أذهان أطفال مجتمع آخر، وتعد الدول العربية بشكل عام في قائمة المستهلكين لألعاب تصنعها الدول الآسيوية والغربية، وينفق الغرب على صناعة الألعاب مبالغ طائلة يوازيها مبالغ هائلة ينفقها العرب على استيراد هذه الألعاب، حيث كشفت دراسة صادرة عن جامعة الدول العربية عام 2000 أن العرب يستوردون 95 بالمئة من لعب الأطفال التي يستهلكونها، ويؤكد متخصصون في إحدى الشركات العربية المتخصصة في هذا المجال أن تجارة الألعاب تشهد نمواً متزايداً في الوطن العربي ويبلغ حجم هذه السوق مليار دولار أمريكي سنوياً، وأن معدل الانفاق على العرائس أو الدمى وألعاب الفيديو لكل طفل في الدول العربية يبلغ 263 دولاراً سنوياً. بالمقابل نحن لا نمتلك دمية عربية خاصة تستطيع أن تنافس (باربي الأمريكية أو ألعاب سوبرمان أو البوكيمون) وغيرها من الألعاب التي تتدفق إلى أسواقنا وتؤثر في شخصيات ونمو أطفالنا الذهني والعاطفي، فمشروع الدمية (ليلى) العربية الذي طرحته جامعة الدول العربية لم يلقَ طريقه إلى النور وبقي حبراً على ورق لعدم وجود جهات تمول أو معامل مناسبة تنتج!. الصين أولاً ويفيد أحد تجار ألعاب الأطفال في سورية أن 90 بالمئة من الألعاب مستوردة من الصين، وتتنوع من الألعاب البلاستيكية التقليدية إلى ألعاب الذكاء والألعاب الجماعية وألعاب الفيديو واسطوانات (السي دي) ونسبة المستورد من الدول الغربية أقل بكثير كونها أغلى ثمناً من دول المصدر. عوائق المواد الأولية يقول صاحب شركة ألعاب أطفال (طلب عدم ذكره اسمه): كنا مصنعين ولدينا سجل صناعي وحرفي وتجاري ونعد الأقدم في سورية بصناعة ألعاب الأطفال وواجهتنا أثناء الفترة السابقة، التي كنا فيها نصنع، الكثير من العقبات، فقد طلبنا من المسؤولين وقتها في وزارة الصناعة السماح لنا باستيراد (مادة الفرو) ورفض طلبنا عدة مرات، وربما السبب وجود (معمل فرو) وهو قطاع خاص موجود في دمشق ولكنه لا يصنع (الفرو) بالجودة التي نطلبها، وكنا نرغب وقتها باستيراد (الفرو الإيطالي) وآنذاك لم يكن هناك صيني. ويضيف قائلاً: بما أن ألعاب الأطفال المستوردة معفية من الرسوم الجمركية، فلماذا لا يتم إعفاء المواد الأولية الداخلة في تصنيع الألعاب محلياً وذلك تشجيعاً للصناعة المحلية؟. أمام هذه العوائق تحولنا من الصناعة إلى التجارة، حيث بعت كل الآلات التي كانت لدي وصرفت العمال، لم نعد ننتج وصرنا نستورد فقط منذ عام 2001. وحول إمكانية منافسة المنتجات الآسيوية وعلى رأسها الصينية التي تغرق سوقنا المحلية يوضح بقوله: لا تستطيع لا سورية ولا حتى أوروبا أن تنافس الألعاب الصينية من حيث الأسعار وخاصة في القطع الصغيرة لأن الرسوم الجمركية على الحاوية مثلاً هي نفسها بغض النظر عن عدد القطع التي تحتويها، لذلك نستطيع أن ننافس بالألعاب ذات الأحجام الكبيرة. ويتفق معه في الرأي تاجر ألعاب آخر ويقول: صناعتنا المحلية لن تنافس مثيلتها الصينية، إلا في الألعاب (النفخ) ذات الأحجام الكبيرة والتي تحتاج لقيمة شحن وجمارك أعلى. ويؤكد أنه لابد من تشجيع التصدير وليس الاستيراد فقط، فهيئة المواصفات والمقاييس السورية تدقق كثيراً على السلع التي سنصدرها إلى دول الجوار التي تطلب منا شهادة هذه الهيئة، وعندما كنت أصدر إلى السعودية والأردن تخضع ألعاب الأطفال التي أنتجها لفحص (أستطيع أن أسميه مزاجي وغير دقيق أحياناً) بينما الآن لدي عشرة مستودعات مليئة بالمنتجات وسلع ألعاب الأطفال ولم يطلب أحد مني شهادة مواصفات ومقاييس لما أستورده!!. اختراقات في منحى آخر، نتساءل عن تأثير الألعاب على الأطفال؟ وتجيبنا د. رانيا صاصيلا- أستاذة التربية وعلم النفس بجامعة دمشق قائلة: لدينا خصائص اللعبة التربوية الجيدة، هناك مجموعة من الخصائص يجب أن تتوافر، ومنها أن تكون تنموية تساعد الطفل وتسعى لتطوير قدراته العقلية وتكون مجالاً للاكتشاف وحل المشكلة وفتح آفاق للتساؤل، وتعلمه مهارات عقلية ومهارات التمييز بين الأشياء واستناداً لخصائص الشكل والحجم واللون والوظيفة التي تؤديها إضافة إلى ألعاب ثانية فائدتها تطوير المهارات الجسدية. وتركز د. صاصيلا على الوظيفة الاقتصادية للعبة وتشرحها قائلة: هناك وظيفة اقتصادية للألعاب ولا يعني هذا أن تكون اللعبة رخيصة الثمن أو غالية، بل مقاومتها للتلف والكسر، ومصنوعة من مواد صالحة للاستعمال صحياً، ولايوجد فيها نتوءات بارزة تعرض الطفل للأذى. تفتيش.. وحملات توعية وتورد د.صاصيلا أمثلة عن رقابة دول أخرى على لعب الأطفال وهي: في بعض الدول المتقدمة كالسويد مثلاً تعمل حملات توعية اجتماعية وجولات تفتيش ومراقبة للألعاب، تسحب من الأسواق الألعاب التي تحمل قيماً سلبية وتمنع الألعاب التي تنمي الاتجاهات العدوانية والأفكار الخاطئة وفق معايير بالتعاون بين وزارة التربية ووزارة الصحة ووزارة الشؤون الاجتماعية وبقية الجهات المعنية، ولذلك يجب الاهتمام لدينا بالألعاب الخطرة ذات التأثير السلبي ومراقبة مدى صلاحيتها للاستخدام وسحبها من الأسواق، كما تحذر من قضية الإدمان والإسراف في الوقت بألعاب الكمبيوتر والألعاب الالكترونية التي تبث الاتجاهات العدوانية وتشوه القيم الأخلاقية والعربية لدينا. أين الرقابة؟! في خضم ازدحام السوق المحلية بالألعاب المستوردة، ما مدى رقابة الجهات المعنية على جودتها، خاصة أن العديد من الدول الأوروبية والأمريكية منعت أصنافاً منها وخاصة الصينية من الدخول إلى أسواقها منذ مدة، تحت ذريعة أنها تحمل مواداً سامة ومسرطنة وقد تصيب الأطفال بأمراض خطيرة، وحتى بعض الدول العربية كمصر والسعودية حذرت من خطورة هذه الألعاب، حيث أشار تقرير لطبيب مصري مختص أن الألعاب المصنعة بشكل رديء وسيء ومن نفايات المواد البلاستيكية تقتل 12 ألف طفلاً مصرياً سنوياً. يقول جورج بشارة - وزير دائرة حماية المستهلك بدمشق: بالنسبة للألعاب المضرة كالمفرقعات فهي ممنوعة، ويقوم البعض بتخبئتها في محالهم وبيعها، وتقوم دورياتنا بمصادرة هذه الألعاب وكتابة ضبوط نظامية بحق أصحابها و(السيديات) نقوم بمراقبة مخالفتها للأسعار فقط، ومحتواها ليس من مسؤوليتنا بل رقابته تقع ضمن اهتمام وعمل وزارة الثقافة. أما فيما يتعلق بالألعاب الصينية فأي بضائع مستوردة مسؤول عنها الحرم الجمركي فهي لا تدخل بطريقة التهريب، فالألعاب المستوردة تبقى في الحرم الجمركي حتى يتم تسوية وضعها ثم تدخل البلد. ويضيف بشارة حول عمل دائرته: قمنا السنة الماضية بسحب بعض الألعاب الصينية المسيئة وعليها كتابات مُخلة بالآداب، إلى جانب حركات مسيئة للذوق العام، وحول صلاحية هذه الألعاب لم يأتِنا شيء من الوزارة حتى نمنع استيرادها. وخلال العام الماضي سحبنا عينات من الألعاب المستوردة (الصينية) خاصة المصنوعة من الفرو، وأرسلناها للمخابر خوفاً من أن تؤثر على صحة أطفالنا وجاءت النتيجة سليمة. وإذا كانت هناك شكوك لديكم ولدى أي مستهلك حول ألعاب معينة فنحن على استعداد لسحب عينات وتحليلها، فإذا كانت مخالفة للمواصفة القياسية السورية رقم (1504) لعام 1995 نتخذ الإجراءات اللازمة ونسحب المادة من السوق ونلاحق الحائز ومن ثم المستورد، وهناك مخالفة بقيمة 10 آلاف ليرة سورية في حال عدم إبراز الفاتورة النظامية، ونحن نراقب الفاتورة والبيانات الجمركية ونركز مراقبتنا على مخالفتها للسعر والمواصفات. أخيراً من خلال جولتنا على الأسواق والمحلات تبين وجود ألعاب يحذر الأطباء من استعمالها (كالمسدسات والبنادق الخرز والسيوف البلاستيكية) وألعاب القطع الصغيرة القابلة للبلع من الصغار أو لوضعها في الأذن أو الأنف، كما أن أسعار القطعة المستوردة الذي يبدأ من 10 ل.س وحتى 500 ل.س للألعاب ذات الأحجام الصغيرة أمر مثير للاستغراب، فما هي المواد البلاستيكية المستخدمة في قطعة تباع ليس من بائع الجملة بل المفرق بـ 10 ل.س وقد حققت أرباحاً سابقة للمُصنع وللمستورد ولبائع الجملة قبل ذلك؟!. لماذا لا ندعم صناعة ألعاب الأطفال المحلية مجدداً لأن التحول من الانتاج إلى الاستهلاك أمر يضر باقتصادنا وبصناعتنا الوطنية، وربما بتكوين أطفالنا وصحتهم وثقافتهم مستقبلا؟!. ثم نسأل أخيراً: ماذا فعلت الجهات المعنية في وزارة الاقتصاد ووزارة الصحة ومديرية الجمارك العامة، عندما بدأت حملات إعادة تصدير الألعاب الصينية من بلدان استوردتها بعد أن ثبتت خطورتها وسميتها؟ لم يحرك أحد ساكناً لدينا وكأننا نعيش في كوكب آخر!!؟. منقول