يحتضنها عشاقها في صمت , يضعها في فمه كطفل يلتقم ثدي أمه , عيناه تنظران في تأمل غريب وهدوء عجيب . يجتذب نفسا عميقا يحتفظ به قليلا ثم يخرجه قرنين من الدخان من فتحتي أنفه يعقبها سحابة أخرى من الفم , بجواره يجلس آخرون يفعلون نفس الشيء في صمت مقدس , فيما ينتشر الجو الضبابي حول الجميع .... يتنادى عليها عشاقها بأسماء مشتقة من الفواكه .. تفاح .. اناناس .. فريز ... ورد ..عنب.. ومفردات لغتها النارة .. الفحمة .. المبسم .. المعسل ...
لكن الذي لايمكن انكاره ان هذه الاداة تستعمل يوميا ولساعات طويلة بواسطة اكثر من عشرة آلاف انسان من الرجال والنساء والصبايا والشباب في سوريا على المقاهي وفي الأرصفة و المنازل .. انها الاركيلة .. ولكن ما هي الاركيلة ؟ ومافوائدها؟ ذلك ما سنتطرق اليه في السطور التالية ...
نشأت الاركيلة أو( النارجيلة أوالشيشة) في الشرق وانتشرت مع اكتشاف التبغ وانتشار المقاهي وصاحبت فنجان القهوة بانتظام كما دخنتها ربات البيوت في المنازل , حتى لم يخلو جهاز عروس منها في الزمن البعيد وخصوصا في بلاد الشام , وهي ليست جهازا بسيطا , وبها جهاز معقد لتبريد الدخان وتنقيته بواسطة الماء , وتنتهي بخرطوم ملتو يشبه الحية يسحي منه المدخن الأنفاس.
ويتفنن صناعها في زركشتها وتزينها برسومات مختلفة ويزيد من تعقيد الحكاية نوع الدخان وطريقة حرقه واخيرا الوقت الذي يقضيه المدخنون في سحب أنفاس دخانها في صمت وتأمل . وأية محاولة لتفهم خصائص الاركيلة تقابل بحائط من الصمت , والجهل , والآراء التي تثير الغرابة في اختلافها والاركيلة عادة مرتبطة بالمجتمع الذي تمارس فيه , وهي ظاهرة اجتماعية يمارسها المدخنون لساعات طويلة وهم من كل فئات المجتمع . ومن الغريب ان تدخين الاركيلة كان شيئا في الماضي , وحتى وقت قريب كان ممارسته مرتبط بفئات المجتمع الدنيا , من صناع وحرفين واولاد بلد من زبائن المقاهي البلدية
وكان ايضا يمارس في الاستراحات الموجودة على الطرق السريعة , والتي كان يركن فيها السائقون للراحة وتدخين الاركيلة وقريبتها ( الجوزة ) مع شرب الشاي يجلسون اليها بكسل بعد ساعات العمل الطويلة وينعمون بتدخينها بتراخ وعدم احساس بالوقت لكن ما يستدعي العجب ان تبعث هذه الظاهرة من جديد في اوخر القرن العشرين وبداية القرن الواحد وعشرين بهذه القوة وهذا العنفوان , ومع مختلف فئات المجتمع من مثقفين ومتعلمين وأميين , وايضا بتوقيت مختلف عما كان في الماضي , اذ كان معظم مدخنيها يقضون معها وقت المغرب والليل.
حيث يتم في المقهى تدخين الاركيلة بدون انقطاع . حيث يمارسها الجميع وخصوصا صغار الشباب وكلنا نعلم أن فئة الشباب الأقل من 20 سنة هي الفئة الأقل مراجعة للمراكز الطبية المتخصصة ويرجع السبب في ذلك إلى جهلها باعراض التدخين وعدم ظهور هذه الأعراض عليهم, والتي تظهر بوضوح بعد 15 إلى 20 سنة .
والتبغ المستخدم في الاركيلة يعرف بالمعسل . وله نكهات مختلفة بطعم الفواكه والفريز والتفاح و فخفخينا... مع أني بحثت عن معنى كلمة فخفخينا ولم أجد الجواب .....
ويذكر البعض ان بداية تدخين المعسل منذ قرون بدأت عندما انكسرت زلع عسل اسود كانت مشحونة على مركب يحمل بجوار العسل شحنة من اوراق التبغ واذ اختلط العسل بالتبغ راح صاحب الشحنة يبكي على خسارته , ثم حاول تدخين التبغ المختلط بالعسل فلم ينجح باشعاله , فقام بتجريب تدخينه بوضعه في حجر فخاري يوضع فوقه فحما مشتعلا فكانت تلك البداية في تدخين المعسل بواسطة الاركيلة وقريبتها الجوزة ( وسميت بالجوزة لانها كانت تصنع من ثمرة جوز الهند بعد تفريغها ) ............
كانت هذه هي البداية التي لم تصل الى نهاية حتى الان , بل انها اصبحت ظاهرة تنمو وتستفحل .. , الان اصبحو من كل فئات المجتمع , وان كان اكثر المشاهد اثارة وغرابة هو هاذ الكم الهائل من الشباب صغار السن بل والبنات ايضا بنسبة كبيرة , مما كان يثير الاستهجان في الماضي , ثم اصبح منظرا غير مثير للدهشة او الاستغراب ناهيك عن الاستهجان .
ويرجع البعض تزايد عدد الكفتريات والمقاهي التي يتم تدخين الاركيلة فيها بصورة لم يسبق لها مثيل الى زيادة نسبة البطالة بين الشباب , وايضا عدم وجود اندية اجتماعية تمتص هذا العدد الهائل من الشباب قليل المال كثير الملل والذي يريد ان يقتل الوقت بـي شيء وأي وسيلة كانت.
والشيء المدهش في الاركيلة انها تعرضت لتطوير قصد فيه اضفاء بعض الاحساس بالامان الصحي وعدم تعريض صحة مدخنها للخطر .... والاكثر ادهاشا ان صاحب التطوير الوقائي هو بالقطع صبي القهوة الأمي الجاهل وكل مؤهلاته في الحياة هي قدرته انا ينادي بصوت ممطوط .. ( وعندك واحد اركيلة تفاحتين للمعلم عبدووووووو).
صبي القهوة هذا قرر في لحظة تجلي ان يضع قطعة من ورق الالمنيوم ( الفويل ) على قطعة الفخار المسماة بالحجر والتي تحتوي على المعسل ثم يلفها جيدا حتى لايظهر من الحجر شيء ثم يوضع الفحم فوق ورق الالمنيوم , كي تنفذ الحرارة منه الى المعسل فيعطي الدخان المطلوب بدون ان تنفذ اليه ذرات رماد الفحم المحترق . واعتقد صبي القهوة ان هذا التطوير يؤدي الى تحسين منظر الاركيلة كما سيؤدي الى نظافة الدخان من رماد الفحم ..
وهكذا يا سادة, لم يكتفي صبي القهوة بالأربعة الاف مادة كيماوية الموجودة في التبغ ( وهذه حقيقة وليست مبالغة والتي سنطرق إليها بعد قليل) بما فيه من مواد سامة مبيدة للحشرات التي تهددها , وما فيها من نواتج احتراق العسل والفاكهة العفنة المنقوعة في الغلسرين لكي تعطيها النكهة المميزة . بل اضاف اليها بعبقرية جهله بخار مادة الالمنيوم التي تدمر خلايا الرئة والمخ وغير ذلك مما لم يخطر على بال العلماء ان يدرسوه , اذ كيف يعن على بالهم فكرة ان هناك من يستنشق ما ينبعث من اوراق الالمنيوم بعد تسخينها لدرجة الاحمرار على الفحم المشتعل ؟؟
اما الاختراع الثاني الذي اضافه (صبي القهوة) الى الاركيلة واستقبله كل مدمنيها __ بمن فيهم من اطباء ربما !! __ بالامتنان هو ما يسمى بالمبسم . المصنوع من نوع غير معروف او مقنن من البلاستيك , وهو بالقطع ليس من انواع البلاستيك المقاومة للحرارة المرتفعة , ويمكن ان يتحد بخاره مع الدخان المار عليه مكونا مالم يعرف بعد من الاشرار والاثار الصحية المدمرة ..
بالاضافة طبعا الى ما هو معروف ان خرطوم الاركيلة يحتوي في داخله على طبقة مستقرة من البكتيريا والفطريات التي تنتعش في الرطوبة والدفء , والتي تتكاثر ثم تنتشر عبر الانفاس المشدودة الى حيث تعيث فسادا وافسادا في صحة المدخنين السعداء !! ومن المعروف ان اطباء الامراض الصدرية يرجعون انتشار مرض الدرن الرئوي بكثرة لدى الناس لعادة تدخين الاركيلة في المقاهي و المطاعم وتبادلها من فم الى فم .
والمثير للعجب ايضا ان من المدخنين غير المبالين يعتقدون ان مرور دخان الاركيلة على الماء هو تنقية وتعقيم وتطهير للدخان , مما يجعلهم يشعرون بامان صحي زائف , بينما يضيف ذلك الماء رطوبة الى تيار الدخان المار مما يعد مع الدفء وسطا مثاليا لنمو الفطريات والبكتيريا يساعد عليه اضافة ماء الورد وقطرات الليمون وغير ذلك من المواد المغذية .
ويعتقد البعض ان تدخين الاركيلة افضل من تدخين السجائر والاثنان بلاء , حيث ان تدخين الاركيلة يستدعي التواجد في اماكن معينة يتم فيها تحضيرها بطقوسها المجهدة والمركبة .وفي اوقات محددة بالذات ولكن الكارثة ان من يعتاد على الاركيلة لا يكتفي بها , بل ان جسمه يطلب النيكوتين في كل وقت فيتعيق من لم يدخن السجائر من قبل بها , ويصبح مدمنا للتدخين وعبدا لمادة النيكوتين التي ما ان قل مستواها في الدم حتى يصرخ طلبا المزيد ........
وهكذا يا اصدقائي تظهر حقيقة الاركيلة .. ادمانا للنكيتوين وتسمما بمواد محترقة من عسل وفاكهة عفنة يتم استشاقها وتنفسها فيتم تشبع الدم بها , مما يؤثر على الجسم كله والصحة كلها , ولانكتفي بهذا بل نضيف اليه بخار الالمنيوم المدمر للمخ ... وغير ذلك من المواد السامة .
ومن أضرار الأركيلة ايضاً:
إنها تؤدى للإصابة بكل الأمراض الصدرية، وأهمها.. الالتهابات الشعبية والسدة الرئوية، ومن أهم أعراضها صعوبة التنفس وقلة المجهود.
و أن تدخين الأركيلة ينقل الأورام السرطانية للرئة وكذلك العدوى بالالتهابات الرئوية وميكروب الدرن.
و أن البعض يعتقدون بأن تغيير مبسم الأركيلة يقلل من نقل العدوى بالميكروبات والسل، وهذا اعتقاد خاطئ؛ لأن ميكروب الدرن يوجد في الأركيلة والمياه الموجودة فيها، لذلك فإن تغيير المبسم لا يفيد بشيء.
* أن جزءًا صغيراً من الرئة هو المسؤول عن تبادل الغازات ودخول
الأكسجين للدم وخروج ثاني أكسيد الكربون من الجسم، وأن كل وظائف الجسم تختل نتيجة لنقص الأكسجين الذى يوفره هذا الجزء.
إن معاناة بعض المدخنين من الصداع والزغللة واضطرابات القلب وضغط الدم، إضافة لزيادة التوتر والقلق نتيجة لتأثير المواد الكيميائية الضارة الموجودة
بالدخان على الأعصاب. و أن الأركيلة تسبب اضطرابات في الهرمونات والدورة الشهرية بالنسبة للبنات، مما يترك تأثيراً ضاراً على الحمل والولادة والقدرة على الإنجاب
، كما يسبب الإصابة بسرطان الفم واللسان والحنجرة، ويؤدى كذلك إلى زيادة إفراز حامض المعدة، مما يتسبب فى حدوث قرحة المعدة. أن السجائر و الأركيلة تبعثان نفس كمية النيكوتين إلى الرئتين، مع الفارق فى أن مدخني الأركيلة يستنشقون كميات أكبر من غاز أول أكسيد الكربون وكميات من القطران تزيد 20 مرة على القطران الذي يتسرب عادة من السيجارة، وهذا يعني أن الأركيلة تسبب سرطان الرئة بقوة تفوق قدرة السجائر.
أن تبغ الأركيلة يحتوي على أربعة آلاف مادة كيميائية منها 400 مادة سامة، 22
شديدة السمية، و40 تسبب السرطان، منها النيكوتين المادة شبه القلوية التي تسبب الإدمان القهري وقطرة واحدة منه تكفي لقتل رجل، وحامض الكبريت المادة الحارقة التي تذيب جسم الإنسان إذا لامسته، وغاز البيوتن يستخدم في ولاعات السجائر، غاز أول أكسيد الكربون الذي يخرج من عوادم السيارات، الميتانول أو الرصاص يستخدم في وقود الصواريخ، التولوين مذيب عضوي يستخدم في المصانع الكيماوية، والأسيتون مادة تزيل طلاء الأظافر، الأمونيا مادة تدخل في تركيب منظفات الحمامات والأرضيات، الكادميوم مادة تدخل في صناعة بطاريات السيارات.
إن معظم الوفيات في الدول النامية إضافة إلى ملايين من المرضى وذوي العاهات التي تسببها أمراض ناتجة عن التدخين، أن تدخين السجائر أو الأركيلة يسبب 25 مرضاً على الأقل، ومعظمها من الأمراض القاتلة وهي سبب وزيري للعنة في الرجال والعقم للنساء،
وقبل أن أنهي حديثي, إننا نسمع دائما عن أخطار الدخان ومضاره على الجسم على المدى القريب والبعيد .. ولكننا قل أن نسمع هذه الأضرار عن الأركيلة, ويعود السبب أن أغلب الدراسات التي تأتينا عن الدخان مصدرها من الغرب لذلك لا تستغرب إذا سمعت يوما من الأيام من يقول لك من العوام أن الأركيلة ليس لها أضرار لان وظيفة الماء فيها هو الفلترة.
وقد قررت أن أكتب عن مضار الأركيلة انطلاقاً من غيرتي على صحة وعافية شباب وطننا الحبيب, راجيا من الله تعالى أن يوفق قيادتنا الحكيمة في زيادة توعية شبابنا وشاباتنا للقضاء على هذه العادة السيئة المدمرة للاقتصاد والصحة والمجتمع, كما أرجو منكم المشاركة بالكلمة الطيبة, وعلى أصحاب التجارب السابقة يدلون بدلوهم عن كيفية تركهم لهذه العادة المميتة.
الأربعاء يونيو 22, 2011 2:53 am من طرف maher-ha