كأنها ستمر بصمت كالعادة ذكرى غياب الأب حنانيا عبدوش(1910- 5آب 1999)، دون حتى ولو إيقاد شمعة على ضريحه للتذكار. ولأنني أمتلك الكثير من الأخبار والمعلومات والوثائق عن هذا الرجل الكبير أرغب بين الفينة والأخرى أن أخص الأعزاء القراء ببعضِ منها. ما سأقدمه لكم اليوم في الذكرى العاشرة لرحيله عبارة عن كلمة كان قد أعدها الأب حنانيا ليلقيها في حضرة الرئيس الراحل حافظ الأسد. حيث الحكاية تقول أن بعض من أهالي السقيلبية ومحردة تقدموا من الأب عبدوش، مطلع الثمانينات وترجوه الذهاب لمقابلة السيد الرئيس، لنقل معاناتهم والتوسط لديه، للإفراج عن معتقلين سياسيين أقارب لهم ( واحد من السقيلبية وإثنين من محردة)، فما كان من الأب المذكور إلا أن أخذ موعداً عبر الجهات المختصة للقاء الرئيس الأسد رحمه الله، وإلى أن يحين الموعد المذكور سطّر الأب حنانيا هذه الكلمات:”.. أتيناكم يا سيادة الرئيس ودموع الخجل تُغشي عيوننا. ولا نعرف كيف نبدأ الحديث مع سيادتكم إلا أنّ إيماننا بمن قال( إذا وقفتم أمام الملوك والرؤساء فلا تهتموا بما تقولون لأن روح أبيكم السماوي يتكلم فيكم.) إذاً فكلامنا هو كلام الله إليكم. لقد برأ الله الإنسان وأهداه الفردوس لكن الإنسان بحسد إبليس خسر فردوسه وأهان بارئه. لكن الله برحمته التي لا حدّ لها عفا عنه وعوض الفردوس الأرضي فتح له ملكوت السموات. فافعل يا سيادة الوزير كذلك لئلا نقحم إرادة إبليس التي دفعت من نسأل الرحمة من أجلهم إلى ارتكاب المخالفة التي حرمها القانون، بل اصفح عن هؤلاء بمحبتك متشبهاً بذلك بالله.
لا نسترحمك وحدنا لأجل هؤلاء بل كل من يعرف حبك لأبنائك. الكل ينتظرون قرارك.، وعندما يبلغ حكمك الشفوق إلى مسامع العالم يهتفون قائلين ما هذه العجيبة في إيمان وزير الجمهورية حافظ الأسد. إن تعدم وتؤدب أمر سهل وبإمكان كل فرد أن يقوم به، أما أن تشفق وترحم مسببي المخالفة فهذه موهبة تختص بمنتخبي الله. لم آتِ إليك من قبل أحد بل الله أرسلني إليك وأنا خادمه، لكي أُذكر قلبك النبيل بالوعد المقدس أنه ليس من إنسان بلا خطيئة، إذا غفرتم للناس زلاتهم يغفر لكم الأب السماوي. وأغلب الشر بالخير. لم أحمل إليك الذهب والهدايا إنما أتيت إليك ومعي ناموس الرب فأضرعُ إليك أن تتشبه بالرب المهان بنا وهو بلا حد صالح وعطوف علينا فلا تخجلنا في أملنا ولا تعرض عن ضراعتنا واعفو عمن نسأل لهم الرحمة، فالقصاص للتأديب وليس للانتقام ولعل المدة التي قضوها خير مؤدب لهم.
التوقيع: الخوري حنانيا عبدوش”. ( انتهى نص الرسالة)
لكن في آخر لحظة وقبل الموعد المحدد جاء من يحمل خبر تأجيل الموعد. وربما بسبب ظروف المنطقة التي كانت تمر بها سوريا من حيث العلاقة المتوترة مع العراق آنذاك. اليوم وبعد مرور قرابة الربع قرن على تلك الحكاية ألا يحق لنا التساؤل: ترى ماا لموقف الذي كان سينجلي من جراء إدلاء الأب عبدوش لتلك الكلمات أمام السيد الرئيس، وماذا سيكون موقف سيادته منها؟! لايمكن لنا التكهن بالجواب فكل الاحتمالات واردة في مثل تلك الحالة. هذا ويذكر أن الأب عبدوش قد التقى السيد الرئيس لمرتين حين زاره في القرداحة مترئسًا وفداً من السقيلبية للتعزية بوفاة السيدة والدته وإبنه الشاب الرائد الركن باسل الأسد. وقد نشرت الصحف المحلية آنذاك صورة خوري السقيلبية يصافح وزير الجمهورية، حين قال له: جئت والوفد المرافق معي من أبناء السقيلبية لا لنقدم التعازي لسيادتكم بل لنقف إلى جانبكم ونتقبل التعازي معكم.
غيث العبدالله
السقيلبية