السقيلبية إحدى مناطق محافظة حماة، تقع إلى الشمال الغرب منها وعلى مسافة 48 كلم.
بحسب المصادر التي بين يدينا فهي وجدت منذ أيام الآراميين وازدهرت مع ازدهار أفامية في شمالها. هُجرت عدة مرات وأعيد عمارها، وآخر مرة هجرت فيها كان في منتصف القرن الثاني عشر الميلادي. حيث أتى عليها زلزال عام1157م.
“السقيلبية” كلمة آرامية تعني “المقاوم، المواجه، المقابل، العنيد” وهي تسمية جاءت من طبيعة موقعها ووظيفتها بالنسبة إلى حاضرة أفاميا، إذ كانت السقيلبية تُشكل موقعاً عسكرياً هاماً يواجه ويتصدى لجميع الغارات التي تستهدف أفاميا من جهة الجنوب.
جانب من السقيلبية الحديثة
**السقيلبية أو سلوقوبيلوس SELEUCOBELOS
“سلوقوبيلوس” معناها إما بوابة سلوقية أو سلوقية العاصي. يرجح بعض الدارسين انّ السقيلبية هي نفسها(سلوقوبيلوس SELEUCOBELOSالتي أنشأها السلوقيون وقائدهم سلوقوس نيكاتور(312/280ق.م)، أحد قادة الأسكندر المقدوني. )( منهم الأستاذ أديب قوندراق، والدكتور محمد حربة والدكتور علي موسى، بينما يرى الدكتور جورج نحاس في كتابه الصادر سنة2007ً” مكتشفات أثرية جديدة في سورية الوسطى- الثانية بأنها دير شميل)
يرجح الدارسون بناء السقيلبية الحديثة اليوم، إلى مطلع القرن التاسع عشر الميلادي(الشيخ عبدالله سعيّد في مخطوطه تاريخ عمار السقيلبية الموضوع سنة1946 ذكر عمارالسقيلبية في سنة 1800 وكذلك الدكتور محمد حربة والدكتور علي موسى في كتابهما:محافظة حماة- د. علي حسن موسى- د. محمد خالد حربة-1985)
بينما يذهب البعض إلى منتصفه(أ.أديب قوندراق في كتابه – السقيلبية تاريخ وذاكرة- أديب قوندراق- مطبعة دار عكرمة2001)
*في الصفحة45 من كتابه يذكر الأستاذ الباحث أديب قوندراق مايلي:
جاءت الهجرة الأولى الى السقيلبية- الحديثة- في اواسط القرن التاسع عشر من قرية جبلية تدعى عين الكروم وبنفس الوقت رافقها هجرات مماثلة من قرى مرداش، وعناب، وتلتها بعد وقت قصير هجرات من دباش وأرنبة وقلعة المضيق وعلى الأرجح أن تاريخ أول هجرة الى السقيلبية يعود إلى سنة1840 نقول على الأرجح لأننا لم نعثر على وثيقة خطية يمكن اعتمادها لتبيين تاريخ الهجرة الأولى وإنما نعتمد على التحليل المنطقي لعدد من الروايات على أن الهجرة الأولى تمت في عهد السلطان عبد المجيد.
لكنه في الصفحة 306 من كتابه يعود ويذكر أنها ترجع في بداية عمارها إلى أوائل القرن التاسع عشر.
- تمركز السكان فوق التل وبنوا عليه بيوتهم الأولى من الطين، والخشب وبقايا أعواد النباتات التي تنمو على ضفاف العاصي ، وتشهد الآثار المكتشفة في السقيلبية على تطور زراعي وصناعي هام. فبالإضافة إلى الأواني الفخارية المتعددة الأشكال التي تم العثور عليها في منطقة التل، عثر أيضاً لمعاصر زيتون من العهد الروماني تدل على انتشار زراعة الزيتون في تلك المنطقة
** تل السقيلبية- المدينة القديمة
جانب من المدينة القديمة
أبعاد السطح العلوي للتل بحدود250خ330م تقريباً( حوالي70 ألف م2)
عندما مر بتلِها الباحث المهندس أحمد وصفي زكريا منتصف عشرينيات القرن الماضي وصفها بقوله: السقيلبية ذات الدور البيضاء، وهي كبيرة، وأهلها روم أرثوذكس يبلغون الألفين، وقد اشتهرت حنطتهم بالجودة تتخذ للبذر في أكثر الديار الحموية”
وحين زارها المستشرق الألماني ادوار ساخاو ومكث فيها ليوم واحد من بعد ظهر الثلاثاء 28/تشرين الأول 1879 قال عنها في كتابه (رحلة إلى سوريا وبلاد النهرين ):
القرية تتوج مسطحاً دائرياً لتل معزول يرتفع في السهل والذي يبلغ ارتفاعه ربما (100-150)قدماً. وهذا التل يعطي انطباعاً وكأنها صنعته يد إنسان .
في المساء دعيت إلى عرس . لقد مشيت وقدماي غارقتان في وحل القرية ووصلت إلى دار فلاح ، في الساحة المربعة الموجودة أمام الدار التف كثير من الناس على جوانبها على الرغم من إن الأرض مبللة تماماً.
الإنارة كان يأتي بها ضوء القمر الذي كان يختبئ أحيانا خلف الغيوم. في وسط الدار (أوالباحة السماوية) رقص شبان وصبايا القرية وكانوا يغنون أغنية العرس ،شكل الراقصون حلقة نصفها من الشبان والنصف الآخر من الشابات، الحلقة هذه مفتوحة في محل واحد فقط وهذا المكان يقع بين أول وأعمر شاب وآخر وأصغر صبية. الرقص هوعبارة عن أن الناس في هذه الحلقة والتي يلتصق أعضاؤها يبعضهم وتتصالب زنودهم، يدورون في الحلقة بشكل بطيئ وبنط ّ إيقاعي دائم لكن بين الفينة والأخرى يندفعون جميعاً الى مركز الدائرة وهم يدقون الأرض بعزم حتى ترتجف وكأنهم بذلك يريدون أن يلقوا كلمة حازمة بوجه مخلوق موجود هناك. قائد الرقص ( الماسك على الأول ) الأعمر والأول في حلقة الشبان وهو في العادة قريب العريس يتوخى بشكل خاص في هذه المناسبة أن يقفز بشكل حماسي .
….العروس لم تكن موجودة، بينما كان العريس حاضراً بين الضيوف. الرقص والغناء استمرا في رتابة لا نهاية لها.
يقول الأديب شريف الراس في كتابه للضاحكين فقط الذي وضعه سنة1969 في بيروت مسترجعاً ذكرياته عن السقيلبية حين علّم فيها سنة1950:(…أنينُ خشبِ البابِ الذي تهزُهُ رياح المطر يظلُ يذكرني بتلكَ القرية البعيدة البعيدة التي قضيتُ فيها أجملَ سنةٍ من حياتي، قبل عشرين سنة. كنت لا أزالُ فتىً، وقد ذهبتُ إلى تلك القريةِ النائية الغاطسةِ بالوحل لأشتغلَ معلماً فتعلمتُ ما هو أمتع وأغنى وأكثرُ التصاقاً بمعرفةِ الانسانِ أضعافَ أضعاف ما قد علمتُ للأطفالِ من معلوماتٍ مدرسية باردة.
لا غابات ُصنوبر هناك ولا أشجارَ. بل سهولٌ حمراءٌ خصبةٌ، موحلةٌ في الشتاء عطشانةٌ في الصيف، وتلٌ ترابيٌ كبيرٌ. والقريةُ مبنيةٌ فوق التلِ، بيوتها الترابيةُ المتكئةُ على بعضِها، بأزقتها الضيقةِ جداً، بعتمتها الليلة، بالصمت الأسود الذي يلفُها مُنذُ تغيبُ شمسُ النهار. وعلى حواف التل بضعُ حواكيرَ مسيجةٍ بأشواكٍ بريةٍ. حواكيرَ صغيرةٍ فيها بصلٌ وبقدونس و ونعنعٌ، وبضعُ شتلاتِ وردٍ ومنتور في الربيع….)
**المستشرق والرحالة الشهير جون لويس بريكهارت يزور السقيلبية سنة1812:
ولد جون لويس بيركهارت الرحالة السويسري سنة 1784م في لوزان بسويسرا ودرس الكيمياء في جامعاتها ثم، انتقل سنة 1806م إلى انكلترا وتعلّم في كمبردج الطب وعلم الفلك واللغة العربية ( 1806 ـ 1809م ) ، وتجنّس بالجنسية البريطانية ، ثمّ قصد حلب1809 حيث أتقنَ اللغة العربية ، وقرأ القرآن وتفقه في الدين الإسلامي، ثم اعتنقه عام 1809م وتسمّى بإبراهيم بن عبداللّه، وراح يعوّد نفسه على الحياة الصعبة، فهجر حياة الترف، وبات ينام على الأرض. يُعدّ من أشهر رحالي القرن التاسع عشر وأغزرهم علمًا وثقافة وأبعدهم صيتًا وشهرة.
لقد تجول، بتشجيع من إحدى الجمعيات الاستكشافية البريطانية، في بلاد الشام، بما كانت تضمه من سوريا ولبنان وفلسطين، وسجل بدقة ملاحظات عديدة عن المعالم الشاخصة فيها،. وذلك في كتاب قيم سماه (رحلات في سوريا والأراضي المقدسة) ضم فيه أخبار رحلاته وملاحظاته في السنوات 1810- 1812م. وفي الرحلة، معلومات متفرقة تتعلق بالحياة الاجتماعية للسكان في هذه البلاد، فهو قد تطرق إلى فئات السكان، وقومياتهم، وقبائلهم، وطوائفهم الدينية، وتناول مستوياتهم الاقتصادية، من حيث ما كانوا يمارسون من نشاطات زراعية أو رعوية أو تجارية مات في القاهرة سنة1817.
يذكر “بريكهارت” السقيلبية ستة مرات في كتابه، كنقطة علام لتنقلاته في المنطقة وهو قادم من أريحا والبارة ومن الغرب تبدو الجبال الساحلية ووادي سهل الغاب يصل قرية الحواش الذي يعتبرها أكبر قرى الغاب و بعد ذلك يتجه إلى عين الطاقة ثم قلعة المضيق فالسقيلبية. ويذكر أنه استراح في السقيلبية على المرتفعات” صفحة86″
سقت هذا الكلام كله لأقول أن السقيلبية كانت موجودة إذن مطلع القرن التاسع عشر، وهذا يؤكد صحة الرواية التي تذكر ذلك وقد دونها في مخطوطه الشيخ عبدالله سعيّد العبدالله.
** تطورها
شهدت مدينة السقيلبية توسعاً عمرانياً في الفترة التي تلت عام1950 وخاصة بعد عام /1960/ وقد كان لتجفيف الغاب واستصلاحه أكبر الأثر في ذلك.
بقيت السقيلبية بمستوى قرية متوسطة الحجم عام/1964/ ولم يكن لها أي أثر وظيفة إدارية إلى أن تم استحداث منطقة الغاب الإدارية واعتُمدت السقيلبية كمركز إداري للمنطقة بشكل رسمي بموجب المرسوم التشريعي/58/ تاريخ21/10/1964 والسقيلبية لم تمر بمرحلة الناحية بل انتقلت مباشرة من مستوى قرية إلى منطقة.
دخلت الكهرباء إلى السقيلبية في عام 1965و صدر أول مخطط تنظيمي لبلدة السقيلبية بتاريخ 12/2/1967 بموجب القرار الوزاري رقم /382/ وقد عدل وتم توسيعه أكثر من مرة كان آخرها القرار رقم /2042/ المصدق بتاريخ 27/9/2003 حيث بلغت المساحة المشمولة بالمخطط التنظيمي لمدينة السقيلبية /450/ هكتاراً بحيث تشمل عدد من الأحياء أهمها :
سهم البيدر – سلطانية – التل والبلدة القديمة – حي السوق – العبرة – عين الباردة.
**عدد سكان السقيلبية:
عندما زار السقيلبية، المستشرق الألماني ادوار ساخاو سنة 1879 ذكر أن فيها مائة بيت ومائتا باروده بعدد الرجال القادرين على حمل السلاح . أما حين وضع كتابه الباحث أحمد وصفي زكريا “جولة أثرية في بعض الديار الشامية” أواخر الربع الأول من القرن الماضي ذكر أن عدد سكان السقيلبية ألفي نسمة. أما وثائق بطريركية الروم الأرثوذكس فتذكر أن عدد سكانها سنة 1885 بلغ 1450 بينما في سنة 1908 يتناقص في بيانات البطريريكية فيصير ألف نسمة من ضمنهم مائة من أهالي قرية عقيربة الوافدين الجدد، إليها سنة1903. “أي قبل خمس سنوات من تاريخه”.
وكانت نتيجة المسح الشامل للسكان الذي أجراه مختار وهيئة اختيارية قرية السقلبية سنة 1946 هي 2486 نسمة عدد سكان السقيلبية.
بينما يذكر كتاب (محافظة حماة) لمؤلفيه د. علي حسن موسى و د. محمد خالد حربة الصادر سنة1984 أن عدد سكان السقيلبية سنة 1981 بحدود9215 نسمة، بينما هذه العدد كان4663 نسمة في عام 1960 كما جاء في نفس المصدر.
أما الباحث الأستاذ أديب قوندراق فيذكر في كتابه ” السقيلبية تاريخ وذاكرة” الصادر سنة 2001 أن عدد سكان السقيلبية عام 1997 بلغ 9205 موزعين على4675 من الذكور و4503 من الإناث.
واليوم وفي السجلات الحديثة نسبياً نجد أن عدد السكان بشكل تقريبي جداً كان قد بلغ 7300 نسمة سنة1987 بينما سنة1990 بلغ 9200 نسمة، وسنة1995 بلغ 11275 أما سنة 2000 فبلغ 13475 نسمة، وبلغ في سنة2005 15,660 نسمة.
والسجلات الرسمية المأخوذة بدقة، نراها بعد ذلك في العام 2006 حيث بلغ عدد سكان السقيلبية 16,097 وفي العام 2007 بلغ عدد السكان 16,322 مقسمين على 8339 نسمة ذكور و7983 إناث.
أما آخر الإحصائيات الرسمية فقد بلغت حتى تاريخ 31/12/2008 ما مقداره 16,562 نسمة منها8474 ذكور، و8088 إناث.
يُذكر أن الأعداد التي مر ذكرها هي عدد سكان مدينة السقيلبية مع مزرعتي تل صياح، وتل الغار،حيث أنهما ملحقتان إدارياً بالسقيلبية لغاية اليوم.
غيث العبدالله
السقيلبية- تشرين أول2009
المراجع:
- (رحلة إلى سوريا وبلاد النهرين ) المستشرق الألماني ادوار ساخاو- دار نشر بروكهاوس- لايبزيغ- ألمانيا 1883
-جولة أثرية في بعض البلاد الشامية- أحمد وصفي زكريا- الطبعة الأولى1934
–تاريخ عمار قرية السقيلبية( مخطوط)- الشيخ عبدالله سعيّد العبدالله-1946
-محافظة حماة- د. علي حسن موسى- د. محمد خالد حربة-1985
- السقيلبية تاريخ وذاكرة- أديب قوندراق- مطبعة دار عكرمة2001
_رحلات في سوريا والأراضي المقدسة- جون لويس بريكهارت- ترجمة: شاهر حسن عبيد- دار العوام- دمشق2007
- محاضرات ومقالات ألكترونية مختلفة عن السقيلبية – ألقاها ونشرها: غيث العبدالله.