البروتستانت لا يستخدمون البخور ، ولا المباخر { المجامر } ويعتبرون ذلك من عبادات العهد القديم التي انتهت ، لأنها في اعتقادهم كانت مجرد رمز .
ونود هنا أن نستعرض تاريخ البخور قديما وحديثاً .
ونري هل كان رمزا أم عملا روحيا قائما بذاته .
***
1)) قال الرب لموسى} وتصنع مذبحا لإيقاد البخور { } خر1:30{.
ويقدم الرب لنا هنا ملاحظة جميلة جدا . وهي أن البخور كان يعتبر في حد ذاته ذبيحة يقدمونها علي مذبح يسمي مذبح البخور .
2)) وقد أهتم الرب بمذبح البخور اهتماما شديدا ، فأمر أن يكون مغشي بالذهب من كل ناحية ،؟ وله إكليل من ذهب ، ويحمل علي عصوين مغشيين بالذهب . ويوضع قدام الحجاب الذي أمام تابوت العهد {خر30: 3-6}. حيث يجتمع
الله بموسى .
3)) كان يشترط في البخور أن يكون } بخوراً عطراً {.
ويقول الرب في ذلك { ويوقد عليه هارون بخورا عطرا كل صباح }{خر7:30}. وكذلك في العشية { بخورا دائما أمام الرب في أجيالكم }{خر8:390}.
وقد ذكرت مواد البخور العطيرة في {خر34:30}. وقيل عن هذا البخور { يكون عندك مقدساً للرب }{خر37:30}.بل قيل اكثر من هذا أنه { قدس أقداس }{يكون عندكم {خر36:30}. فلا يصنع أحد منه لنفسه
وقد تكررت عبارة البخور العطر في مواضع كثيرة من الكتاب ، كما في { خر25}{ خر29:37}
{ لا12:16}. فكان البخور يمثل رائحة زكية عطرة تصعد إلي الرب .
4)) قال البعض خطأ أن البخور كان يقدم مع المحرقات ، لا زاله رائحتها .
وقد الغيت الذبائح الحيوانية ، فالغي البخور . وهذا الفهم ليس سلمياً ، فالبخور كان لوناً من العبادة مستقلا بذاته ، وكان له مذبح خاص غير مذبح المحرقة ، ولكن له طقس خاص في تقديمه . وكان مقصود لذاته كصلاة ، وليس رمزا لشيء ، كما سنري .
5)) نلاحظ أنه عندما ضرب الرب لشعب بالوباء أوقد هارون الكهنه البخور بأمر موسى النبي ، ليشفع في الناس أمام الله . ولما دخل في وسطهم وبخر انقطع الوبأ وقبل الله منه هذا البخور كصلاة { عدد16: 44-48}. ونلاحظ هنا أنه لم تقدم ذبيحة عنهم ، إنما قدم البخور وحده ، ولم يكن من أجل رائحة محرقات ، إنما قدم للتكفير عن الشعب ، كأنه ذبيحة {عد16: 46،47}.
***
6)) من أهمية البخور ، أنه ما كان يقدمه أحد سوي الكهنة فقط .
وهو هنا يبدو مركز اعلي من الصلاة ن لأن الصلاة يقدمها لله أي فرد من الشعب . ونلاحظ أنه لما تجرأ قورح دواثان وابيرام ، وقربا بخوراً ، انقت الأرض وابتعلته احياء ، هم وكل بيوتهم { عد16: 31،32}. ولم يكن بسبب تقديمهم ذبيحة ، وإنما لتقديمهم بخوراً ، مع أنهم من سبط لاوي …
7)) ومن أهمية البخور ، أنه كان يقدم في مجامر من ذهب كما ورد { عب4:9}. وكما قيل عن الأربعة والعشرين قسيساً أنه كانت لهم {جامات من ذهب مملوءة بخوراً }{رؤ8:5}.
***
) وقد وردت نبوءة في سفر ملاخى النبي عن استمرار البخور وعدم اقتصار علي العصر اليهودي .
إذ قال الرب { لأنه من مشرق الشمس إلي مغربها اسمي عظيم بين الأمم . وفي كل مكان يقربون لاسمي بخورا وتقدمة طاهرة }{ملا11:1} . وطبعاً يكون الرب قد جعل البخور من بنود العبادة المسيحية .
***
9)) ومن اهتمام الرب بالبخور في العهد الجديد وردود مثالين عنه في سفر الرؤيا وهما :
أ) * قيل عن الأربعة والعشرون قسيساً {كاهنا}، إن لهم جامات من ذهب مملوءة بخورا هي صلوات القديسين {رؤ8:5}.
ب)* يقول القديس يوحنا الرائي { وجاء ملاك آخر ووقف عند المذبح ، ومعه مجمرة من ذهب . واعطي بخورا كثيرا ، لكي يقدمة مع صلوات القديسين جميعهم علي مذبح الذهب الذي أمام العرش . فصعد دخان البخور مع صلوات القديسين من يد الملاك أمام الله }{رؤ8: 3،4}.
10)) تعليقا علي عبارة { صعد دخان البخور مع صلوات القديسين } نقول إن حياة الكنيسة كلها بخور .
***
بل أن الكنيسة شبهت في سفر النشيد بالبخور .
وذلك حينما قال عنها الوحي الإلهي { من هذه الطالعة من البرية ، كأعمدة من دخان ، معطرة بالمر واللبان وكل أذرة التاجر }{نش6:3}.
***
11)) ومن المواقف الجميلة أيضا في قصة تاريخ البخور في حياة القديسين :
أن زكريا الكاهن ظهر له ملاك الرب وقفا علي يمين مذبح البخور فيما هو يبخر في دورته {لو1: 8-11}. مما يدل علي قدسية هذا الموضع ، وقدسية عملية التبخير . واستحقاق هذه المناسبة المقدسة لأن تصحب بالإعلانات الإلهية.
وواضح من قصة نوبة زكريا الكاهن في التبخير ، أن رفع البخور كان عملا قائما بذاته ، غير مرتبط بتقديم ذبيحة أو محرقة .
***
12)) من أهمية البخور في المسيحية .
أن اللبان { مادة البخور } كان من الهدايا التي قدمها المجوس للسيد المسيح وكانت رمزا لكهنوته أو اعترافاً من المجوس بكهنوتة ، كما كان الذهب رمزا لملكة والمر رمزا لآلامه .
***
13)) للبخور معان كثيرة تشبع الحواس وتغذي النفس .
وليس جميع الذين يخضرون إلي الكنيسة من المستوي الذي يشترط فيه عمق الروح وعمق التفكير .. فالأطفال
مثلاً ، الذي لا يدكون كثيرا ما يقال . في العظات ، وما يسمعونه من القراءات ، حتي ما يسمعونه من الصلوات هؤلاء يتأثر روحياً بحواسهم من جهة البخور والشموع والأيقونات وتكون كدروس روحية لهم تنقلهم إلي جو روحي . وهكذا الكثير من العلوم ، والمؤمنين العاديين غير المتجرين في العلم والمعرفة وغير الدارسين لكتب اللاهوت .
***
فماذا في البخور من معان روحية ، ومن تأملات ؟
14)) اول درس يتلقونه من البخور ، هو قول الرب { من أضاع حياته من أجلي يجدها }{مت39:10}.
ومثال ذلك حبة البخور التي تحترق وتحترق ، حتي تتحول إلي أعمدة معطرة دخان . وتبحث عنها في المجمرة كحبة بخور ، فلا تجدها ، إذ تكون قد قدمت ذاتها محرقة لله . فالمحرقات ليست فقط من الذبائح ، وإنما من البخور أيضا ، الذي اعتبره الكتاب ذبيحة تقدم علي مذبح البخور ، وتعطينا درسا وأي درس .
فما أجمل أن يقدم الإنسان ذاته محرقة للرب . كل تقدمة أخري هي خارج الذات . أما تقدمت الذات فإنها أعظم التقدمات .
وتقدمه الذات يمثلها وضع حبة البخور في النار . وقد قيل عن إلهنا أنه نار آكلة { تث24:4}. وقد كان القديسون حبات من البخور وضعت في المجمرة الإلهية فاحترقت بمحبة الله .
***
15)) والدرس الثاني في البخور هو الصعود إلي فوق باستمرار .
لا يقبل البخور علي نفسه إطلاقا أن يقبع في أسفل ، بل هو يرتفع في السماء ، ويمتد وينتشر ، ولا يتوقف مطلقا في صعوده ، وفي انتشاره . وأنت إذا نظرت إلي البخور وتابعته ، لابد أن ترفع عينيك إلي فوق إلي السماء ، أردت أو لم ترد . هكذا كان البخور باستمرار يجذب حواس الناس إلي فوق . وكأنه سهم يشير إلي السماء باستمرار .
***
16)) درس آخر للبخور : أنه يمثل الرائحة الزكية :
ولهذا كان الكتاب يشترط فيه أن يكون بخورا عطرا . كل من يشم هذا البخور يتذكر أن حياة الإنسان ينبغي أن تكون عطرة الرائحة أمام الله .
وكما قال الكتاب { لأننا رائحة المسيح الزكية لله ..}{يظهر بنا رائحة معرفته في كل مكان }{2كو2: 15، 14}.
***
17)) ومن أجمل ما في البخور من تأملات أنه يذكرنا بالضباب ا, السحاب الذي كان الله يظهر فيه .
وكما قال الرب { لأني في السحاب أتراءى علي الغطاء }{غطاء تابوت العهد } { لا2:16}. وهكذا وردت في سفر اللاويين عبارة { سحابة بخور }{لا13:16}. وقيل عن هارون رئيس الكهنة { يأخذ ملء المجمرة نار عن المذبح من أمام الرب ، وملء راحتيه بخوراً عطراً ، ويدخل بهما إلي داخل الحجاب . ويجعل البخور علي النار أمام الرب ، فتغشي سحابة البخور الغطاء الذي علي الشهادة فلا يموت ؤ{لا16: 12،13}.
وكان الله في إرشاد شعبه في العهد القديم ، سواء في خيمة الاجتماع ، أو في الهيكل ، أو في برية سيناء ، يظهر للناس في السحاب ، أو في الضباب ، وكان إرشاده للشعب ففي برية سيناء ، علي هيئة سحابة تظللهم في النهار ، تمثل الله وهو يظلل عليهم ، فإذا تحركت السحابة يعرفون أن الله يحركهم فيتحركون ، وإن وقفت السحابة يقفون }{عدد17:9}. وهكذا قيل { وكانت سحابة الرب عليهم نهاراً في ارتحالهم }{عدد34:10}.
18)) وفي مجيء المسيح إلي مصر ، قيل إنه علي سحابة ؟{ أش1:19}. وكانت السحابة ترمز غلي العذراء ، وكانت العذراء رائحة بخور صعدت إلي فوق . وفي مجيء المسيح الثاني سيأتي أيضا علي السحاب {مت30:24}. فالسحاب كان يمثل حضور الله في العهدين القديم والجديد .
19)) وفي قصة التجلي نجد مثلاً لحضور الرب في السحاب :
لقد قيل إنه بينما كان السيد المسيح يكلم تلاميذه الثلاثة { كانت سحابة تظللهم . فخافوا عندما دخلوا في السحابة . وصار صوت من السحابة قائلاً : هذا هو أبين الحبيب . له اسمعوا }{لو9: 34،35}.
20)) وهكذا كان الرب يكلم موسى من السحاب . حينما كلم الرب موسى يقول الكتاب { فصعد موسى إلي الجبل . فغطي السحاب الجبل . وحل مجد الرب علي جبل سيناء ، وغطاء السحاب ستة أيام . وفي اليوم السابع دعي موسى من وسط السحاب }{خر24: 15،16}.
وبالمثل حينما كان يكلمهم من خيمة الإجتماع ، وكان يغطيها السحاب أو الضباب .
21)) نفس الأمر نجده في تدشين هيكل سليمان . يقول الكتاب { وكان لما خرج الكهنة من القديس ، أن السحاب ملأ بين الرب لم يستطع الكهنة أن يقفوا للخدمة بسبب السحاب . لأن مجد الرب ملأ البيت . { حينئذ تكلم سليمان : قال الرب أنه يسكن في الضباب {1مل12:8}.
***
22)) فالبخور يمثل سحابا أو ضبابا يذكر بحلول الله أو مجد الله .
{ مز2:97} من مزامير الساعة التاسعة يقول { السحاب والضباب حوله . ركب علي السحاب وطار . وطار علي أجنحة الرياح }.
البخور إذن فيه الكثير من المعاني الروحية لمن يحب أن يستفيد منه وهو لون من العبادة ، قائم بذاته ، لم يكن مرتبط بالذبائح بحيث يزول بزوالها .
23)) وأخيرا نقول انه لا يوجد نص واحد في العهد الجديد يأمر بالغاء البخور .
{ من له اذنان للسمع فليسمع ، ما يقوله الروح للكنائس {رؤ3:2}.