ألقاها الشاعر "نزار قباني" في مهرجان المربد الخامس في بغداد عام 1985
وقد أحدثت ضجة كبيرة داخل الأوساط الأدبية لجرأتها في حينها،
و تم التعتيم والتشويش عليها و مُنِعت من الصدور على الصحف العراقية وقنوات الإعلام.
هذه الجلسة كان يرعاها ويحضرها وزير الإعلام لطيف نصيف جاسم.
استفزت القصيدة الوزير بعد أن ألقاها نزار
والذي كان ينتظر منه قصيدة يمدح بها أسوة بالشعراء الذين سبقوه
وكانوا قائمة طويلة من الشعراء العرب أذكر منهم الشاعرة الكويتية سعاد العبد الله الصباح.
فلم ترُقِ القصيدة للوزير خاصة بعد أن عُملت لنزار هالة خاصة من التفخيم والترحيب
دون باقي الشعراء، فقد كرست له الصحافة وقنوات الإعلام الشيء الكثير
وقد استفز نزار الوزير والمسؤولين عندما وصل إلى المقطع:
فى مدن صارت بها مباحث الدولة عرّاب الأدب//
وأشار بيديه إلى كل الشعراء والمسؤولين الجالسين في الصف الأمامي.
ثم ليكمل هجومه حينما قال: " مسافرون نحن في سفينة الأحزان
قائدنا مرتزق
وشيخنا قرصان"
فصار قائدنا مرتزق بدلاً من أن يكون بطل الفرسان/./
فكانت مفاجأة مذهلة في ذلك الحين، فمن يمتلك الجرأة لفعل ذلك.
بعد الانتهاء من القصيدة صفق المسؤولون لنزار ببرود وامتعاض.
تم التعتيم على القصيدة في وسائل الإعلام.
حصلنا على نسخة منها من المهرجان وقد حفظتها لأنها أصبحت جُرماً لمن يقتنيها.
إنني إذ أسجل هذا الموقف لنزار قباني إنما من باب الأمانة التاريخية.
لم يُدْعَ نزار إلى أي مهرجان في العراق بعد ذلك.
ثم أصبح يُلعن علناً بعد عام 1990 في أجهزة الإعلام العراقية ،
بعد أن كان شاعر العرب الكبير فيها.
الشاعر الكبير نزار قباني""
"عندما يسقط متعب ابن تعبان في امتحان حقوق الإنسان"
مواطنون دونما وطن
مطاردون كالعصافير على خرائط الزمن
مسافرون دون أوراق ..وموتى دونما كفن
نحن بغايا العصر
كل حاكم يبيعنا ويقبض الثمن
نحن جواري القصر
يرسلوننا من حجرة لحجرة
من قبضة لقبضة
من مالك لمالك
ومن وثن إلى وثن
نركض كالكلاب كل ليلة
من عدن لطنجة
ومن عدن إلى طنجة
نبحث عن قبيلة تقبلنا
نبحث عن ستارة تسترنا
وعن سكن
وحولنا أولادنا
احدودبت ظهورهم وشاخوا
وهم يفتشون في المعاجم القديمة
عن جنة نظيرة
عن كذبة كبيرة ... كبيرة
تدعى الوطن
مواطنون نحن فى مدائن البكاء
قهوتنا مصنوعة من دم كربلاء
حنطتنا معجونة بلحم كربلاء
طعامنا ..شرابنا
عاداتنا ..راياتنا
زهورنا ..قبورنا
جلودنا مختومة بختم كربلاء
لا أحد يعرفنا في هذه الصحراء
لا نخلة.. ولا ناقة
لا وتد ..ولا حجر
لا هند ..لا عفراء
أوراقنا مريبة
أفكارنا غريبة
أسماؤنا لا تشبه الأسماء
فلا الذين يشربون النفط يعرفوننا
ولا الذين يشربون الدمع والشقاء
معتقلون داخل النص الذي يكتبه حكامنا
معتقلون داخل الدين كما فسره إمامنا
معتقلون داخل الحزن ..وأحلى ما بنا أحزاننا
مراقبون نحن في المقهى ..وفى البيت
وفى أرحام أمهاتنا
حيث تلفتنا وجدنا المخبر السري في انتظارنا
يشرب من قهوتنا
ينام فى فراشنا
يعبث فى بريدنا
ينكش فى أوراقنا
يدخل فى أنوفنا
يخرج من سعالنا
لساننا ..مقطوع
ورأسنا ..مقطوع
وخبزنا مبلل بالخوف والدموع
إذا تظلمنا إلى حامي الحمى
قيل لنا : ممنـــوع
وإذا تضرعنا إلى رب السما
قيل لنا : ممنوع
وإن هتفنا ..يا رسول الله كن في عوننا
يعطوننا تأشيرة من غير ما رجوع
وإن طلبنا قلماً لنكتب القصيدة الأخيرة
أو نكتب الوصية الأخيرة
قبيل أن نموت شنقاً
غيروا الموضوع
يا وطني المصلوب فوق حائط الكراهية
يا كرة النار التي تسير نحو الهاوية
لا أحد من مضر ..أو من بني ثقيف
أعطى لهذا الوطن الغارق بالنزيف
زجاجة من دمه
أو بوله الشريف
لا أحد على امتداد هذه العباءة المرقعة
أهداك يوماً معطفاً أو قبعة
يا وطني المكسور مثل عشبة الخريف
مقتلعون نحن كالأشجار من مكاننا
مهجرون من أمانينا وذكرياتنا
عيوننا تخاف من أصواتنا
حكامنا آلهة يجري الدم الأزرق في عروقهم
ونحن نسْلُ الجارية
لا سادة الحجاز يعرفوننا ..ولا رعاع البادية
ولا أبو الطيب يستضيفنا ..ولا أبو العتاهية
إذا مضى طاغية
سلمنا لطاغية
مهاجرون نحن من مرافئ التعب
لا أحد يريدنا
من بحر بيروت إلى بحر العرب
لا الفاطميون ..ولا القرامطة
ولا المماليك …ولا البرامكة
ولا الشياطين ..ولا الملائكة
لا أحد يريدنا
لا أحد يقرؤنا
فى مدن الملح التى تذبح فى العام ملايين الكتب
لا أحد يقرؤنا
فى مدن صارت بها مباحث الدولة عرّاب الأدب
مسافرون نحن في سفينة الأحزان
قائدنا مرتزق
وشيخنا قرصان
مكومون داخل الأقفاص كالجرذان
لا مرفأ يقبلنا
لا حانة تقبلنا
كل الجوازات التي نحملها أصدرها الشيطان
كل الكتابات التي نكتبها لا تعجب السلطان
مسافرون خارج الزمان والمكان
مسافرون ضيعوا نقودهم ..وضيعوا ! متاعهم
ضيعوا أبناءهم ..وضيعوا أسماءهم..وضيعوا انتماءهم
و ضيعوا الإحساس بالأمان
فلا بنو هاشم يعرفوننا ..ولا بنو قحطان
ولا بنو ربيعة ..ولا بنو شيبان
ولا بنو "لينين" يعرفوننا ..ولا بنو "ريغان"
يا وطني ..كل العصافير لها منازل
إلا العصافير التي تحترف الحرية
فهي تموت خارج الأوطان