fadi-sam Admin
عدد المساهمات : 1122 نقاط : 3350 السٌّمعَة : 16 تاريخ التسجيل : 25/07/2009 العمر : 44
| | شريحة إلكترونية ثورية تحاكى مخ الإنسان | |
فى سبق هو الأول من نوعه كشفت شركة "آى بى إم IBM" للأنظمة الحاسوبية و الإلكترونية عن شريحة إلكترونية جديدة تحاكى فى أدائها المخ البشرى تماما. تمكن دكتور "ديرمندرا مودا" بمساعدة مئة باحث من خمسة من أكبر الجامعات الأمريكية، من إبتكار شريحتين إلكترونيتين هما الثمار الأولى للمشروع الضخم تحت إسم "ساينابس SYNAPSE" و هو إختصارا لـ" أنظمة بلاستيكية قابلة للتكيف و التطوير"، تموله وزارة الدفاع الأمريكية بميزانية 41 مليون دولار تحت مظلة شركة "آى بى إم" .
الحوسبة الإدراكية مقارنة بالحوسبة الفائقة يهدف المشروع إلى التوصل لشرائح إلكترونية تعمل بتقنية تسمى "الحوسبة الإدراكية Cognitive Computing " و هى نظام إلكترونى كامل يحاكى الإستراتيجية التى يتبعها المخ البشرى الحى للتفاعل مع البيئة من حوله لتحليل الأحداث و حل المشكلات عن طريق ربطها بذكريات أو تجارب سابقة مخزنة فى الذاكرة و يتخذ الإنسان قراره بناءا على ما قام به مخه من تحليل، مما يترتب عليه إنتاج أجهزة حواسيب مفكرة تتفاعل مع الأحداث كافة بدون برمجة مسبقة و تتخذ قرارت مصيرية بدون الحاجة للرجوع إلى الإنسان. تستطيع أجهزة الحواسيب العادية أيضا حل المشكلات المختلفة بطرق مبتكرة و سريعة إذا ما تم برمجتها لحل مشكلة بعينها و لكنها تكون عديمة القيمة عند أى تغيرات بسيطة فى المشكلة التى تقوم بمعالجتها، أوأمام مشكلات أخرى مختلفة عندها تقف عاجزة عن التصرف ، و هو الأمر الذى لن يحدث عند إستخدام تقنية الحوسبة الإدراكية.
أما الحواسيب الفائقة Supercomputers فتتميز بقدرتها على حل المشكلات و الأهداف المخصصة لها بسرعات كبيرة و دقة متناهية تفوق العقل البشرى ذاته بإجراء عمليات و حسابات معقدة بكميات ضخمة تعمل وفق التقنية التى تعرف بإسم "الحوسبة الفائقة SuperComputing ". تتطلب تلك التقنية معالجات Processors و ذاكرة RAMتعادل عشرات من التيرابايت للحاسوب الواحد ،لذلك هى تنطوى على مشكلة عملاقة تتمثل فى أحجامها الكبيرة فتشغل مساحات شاسعة لإحتواء أجهزتها الضخمة من ذاكرة و معالجات و التى تحتاج بالضرورة طاقة هائلة لإدارتها و تشغيلها تقدر بمئات الكيلو وات. من ناحية أخرى يقوم المخ البشرى بالعمليات الإدراكية المختلفة التى تتطلب ربط مباشر بخبرات سابقة و تحليل دقيق مثل التعرف على الوجوه كمثال فى حين تعجزعنه الحواسيب الفائقة و يستنفذ المخ للقيام بذلك طاقة مثل التى يحتاجها مصباح بقدرة 20 وات فقط لكى يعمل! إستخدم الباحثون فى شركة "آى بى إم" تقنية الحوسبة الفائقة من قبل لمحاكاة القشرة الدماغية لمخ القطة. تطلب الأمر إستخدام ذاكرة قدرها 144 تيرابايت من أجل تمثيل مليار خلية عصبية! و هو رغم ذلك ما زال أبطا بـ 10 مرات عن المخ الحقيقى للقطة. تهدف شريحة "ساينابس" إلى الجمع بين القدرات الهائلة للحوسبة الفائقة من دقة و سرعة ، بالإضافة إلى المقومات البشرية للحوسبة الإدراكية و ضغطها فى مساحة صغيرة بإستخدام التكنولوجيا النانوية. شريحة "ساينابس" الإدراكية قد يعتقد البعض أن التقنية التى توصل إليها دكتور "مودا" و فريقه، موجودة بالفعل و نراها من خلال محركات البحث الإلكترونية مثل "جوجل" الذى يتوقع كلمات البحث التى يدخلها المستخدم بل و يكملها بالنيابة عنه بناءا على خبرة سابقة مخزنة فى ذاكرته العملاقة من كلمات مفتاحية للبحث أدخلها مستخدمون آخرون فى وقت سابق. إلا أن تقنية كالتى يقوم عليها محرك البحث جوجل تختلف تماما عن الإستراتيجية التى تنطوى عليها شريحة "ساينابس". تمتلك الشريحة الجديدة المقدرة على التعلم مع الإستفادة من خبرات و أحداث مخزنة فى ذاكرتها عن طريق إسترجاعها و تحليلها بالتوازى مع ربطها بالمزيد من الخبرات و الأحداث التى تتلقاها فى الوقت الحالى فى محاولة لمحاكاة أسلوب الخلايا العصبية فى المخ، و لكى نتمكن من فهم الكيفية التى تعمل بها الشريحة لا بد و أن نفهم اولا كيف تعمل الخلايا العصبية. يحتوى مخ الإنسان على شبكة عملاقة متداخلة من 100 مليار خلية عصبية ترتبط مع بعضها البعض عن طريق 100 تريليون رابطة تعرف بإسم "المشابك العصبية". إرتباط المشابك بين الخلايا العصبية هى الطريقة التى يضيف بها المخ إلى خبراته و تجاربه و يسترجع منها وقت الحاجة. فى المواقف المختلفة يتم تفعيل خلايا عصبية بعينها فى المخ، فمثلا عند ذكر كلمة "بحر" فإن خلايا الذاكرة البصرية تولد فى ذهنك صورة للبحر و مياهه الزرقاء ،و خلايا الذاكرة السمعية تدوى فى أذنك صوت تلاطم الأمواج و تكسرها على الصخور أما خلايا الذاكرة الشمية فتعبق أنفك برائحة ملوحة البحر و النسيم العليل، و لكن تلك الإشارات متفرقة و عشوائية إستحضراتها مراكز مختلفة فى المخ، لكى تكتمل الصورة و تقوم بإدراك تلك الإشارات العقلية لابد و أن يحدث "ترابط" ، فتتكون شبكة من الخلايا ترتبط معا بالمشابك العصبية و هذا الإرتباط يعبر عن خبرة أو تجربة حللها المخ و خزنها على هيئة روابط من المشابك العصبية.إذا أردنا للحواسيب أن تتعلم و تدرك من واقع الخبرات و التجارب فعلينا أن نجعلها تطبق إستراتيجية المخ البشرى فى التفكير. الإستراتيجية الحالية التى تقوم عليها الحواسيب عموما هى إحضار خبرة مخزنة فى ذاكرته الإلكترونية "RAM" لينقلها عبر الناقلات Buses ليوجهها إلى المعالج Processor الذى يحللها ثم يضيف إليها و يحدثها ثم تعاد عبر الناقلات إلى الذاكرة مرة أخرى. كما نلاحظ فإن الطريق الذى تسلكه المعلومات بين الذاكرة و المعالج ذهابا و إيابا هو طريق طويل يستهلك وقت و طاقة كبيرين. لذلك فإن إتجاه "الحوسبة الإدراكية" يقوم على تقريب المسافات بين المعالج و الذاكرة إلى أقرب مسافة ممكنة. فى "الحوسبة الإدراكية" يلعب المعالج دور "الخلية العصبية" أما الذاكرة فهى "المشابك العصبية". على المستوى العصبى فى المخ فإن "الخلية العصبية" تتلقى المعلومات على هيئة إشارات كهربية من "المشبك العصبى" . عندما تفرغ "الخلية العصبية" من معالجة ما لديها من معلومات فإنها تتشارك بها مع "الخلية العصبية" المجاورة من خلال "المشبك العصبى" الرابط بينهما و هكذا. هذا هو ما يحدث أيضا على المستوى الإلكترونى فى الشريحة "ساينابس" ، يقول دكتور"مودا" : ينتقل نمط معين من المعلومات من الذاكرة (المشبك العصبى) إلى المعالج (الخلية العصبية) و النتيجة النهائية تنتقل من خلال ذاكرة أخرى إلى معالج آخر و هكذا، مكونة شبكة إدراكية كاملة على شريحة سليكونية، إذن تكون نتيجة التقارب بين المعالج و الذاكرة توفير هائل فى الطاقة و الوقت اللازم لإتخاذ قرار. كما ذكرنا مسبقا أنتج المشروع حتى الآن شريحتين تحتويان على 256 خلية عصبية تربط بينها 262,144 مشبك عصبى يبرمج حسب الغرض و فى الشريحة الثانية 65,536 مشبك عصبى للتعلم الذاتى. لازال المشروع فى مرحلته الأولى، لكن الهدف النهائى الاوحد للمشروع هو الوصول إلى 100 بليون خلية عصبية و 10 تريليون مشبك عصبى كما فى المخ تماما فى حجم قدره 2 لتر فقط ! و هو ما يأمل دكتور "مودا" التوصل إليه بتجميع المزيد و المزيد من تلك الشرائح سويا حتى الوصول إلى العدد النهائى من الخلايا و المشابك الإلكترونية.
هل حان الوقت للإستبدال المخ البشرى؟ ليس المقصود من إنتاج تلك الشريحة محاكاة لمخ الإنسان للإستغناء عنه فى وقت من الأوقات و الإعتماد الكامل على حواسيب الذكاء الإصطناعى للقيام بدوره. لكن فائدة الشريحة فى كونها مستلهمة من مخ الإنسان، و ذلك للإرتقاء بأداء الحواسيب فى التعامل مع البيئة المحيطة بردود أفعال سريعة فى المواقف المختلفة و التى تقف أمامها الحواسيب العادية عاجزة و بطيئة. يمكن للحواسيب الثورية الجديدة مراقبة مياة البحار و المحيطات و قياس الحرارة و الضغط و إرتفاع الأمواج من خلال شبكة من المجسات و الآليات الميكانيكية، و بتحليل منطقى كامل للمعلومات فى وقت قياسى يتم تحديد إذا ما لزم إصدار تحذير بشأن إحتمال حدوث موجات تسونامى. أما عن صلاحية المنتجات و السلع التى يستهلكها البشر فهى أيضا يمكن ان تكون محل إختبار و تدقيق عن طريق قفازات ذكاء إصطناعى ، تقوم بمراقبة الشكل الخارجى و الرائحة و الملمس و الحرارة للمنتج أو السلعة و إعطاء إشارة بصلاحيتها من عدمه، و هى المهمة التى يمكن للمخ البشرى ان يقوم بها بسهولة و سرعة ، فقط عندما تمسك بثمرة فاسدة فإنك تدرك ذلك مباشرة من خلال رائحتها أو ملمسها أو شكلها الخارجى و هذا هو ما نتمنى أن يفعله النظام الحاسوبى القائم على الشرائح الإدراكية. تخيل إشارات مرور تراقب و تسجل المشاهد و تتنبأ بالحوادث أو مفاعلات نووية آمنة تقوم على أنظمة إدراكية تحلل المعلومات و تصنع القرارت الفاصلة التى تحد من كوارث نووية محققة. حتى الآن تحققت أهداف المشروع القصيرة المدى وهى شريحة صغيرة الحجم ، و تستهلك قدر ضئيل من الطاقة و سريعة الأداء. إلا أن التوصل إلى نظام حاسوبى متكامل يشبه مخ الإنسان ما زال بعيد المنال و لكن تلك الشريحة الثورية هى القطرة التى تسبق الغيث. | |
|