إن الحياة الزوجية اليوم ليست حياة سهلة مليئة بالأماني والأحلام الوردية ، وليست طريقاً مفروشاً بالورود البيضاء والأزهار الجميلة كما يظن الكثير منا في مقتبل حياتهم ، بل العكس هو الصحيح . إنها لمسئولية كبيرة . إنها لحياة يجب أن تقوم على الاحترام والثقة والحكمة والحب .
والزوج هو عماد البيت، ورب الأسرة لذلك فلقد كان من الطبيعي أن يكون الرجل أكثر حرصاً من المرأة على المحافظة على كيان هذا البيت واستمرار الأسرة واستقرارها .
وبالرغم من هذا إلا إننا نجد أن هناك نماذج من الرجال يسلكون سلوكيات هادمة مع زوجاتهم ظناً منهم واعتقاداً بأنه هكذا يكون الزواج وهكذا هي الحياة وهم بلا شك يخطئون كل الخطأ ويقذفون بحياتهم إلى الهاوية .
وحق علينا أن نتعرض لبعض السلوكيات التي تهدم ولا تبنى لعلها تقدم جزءاً من الإرشاد والتوجيه إلى شبابنا المقبل على بناء حياة زوجية ، وإقامة أسرة كريمة لعله يحاول جاهداً أن يقي نفسه من مثل هذه السلوكيات التي قد تضيعه ولا تقوده إلا إلى طريق مسدود.
أولاً : الغدر والخيانة
ولا نقصد هنا الخيانة الزوجية الحسية فقط، ولكن نعنى بها أيضاً الغدر والخيانة المعنوية من خيانة الزوج لمشاعر وأحاسيس زوجته، وهدر كرامتها وآدميتها، وغدر المفاهيم والمبادئ والقيم والمعاني الجميلة التي كان يحملها كل منهما وتعاهدا على تحقيقها ثم غدر بها هذا الزوج وخانها حيث تغير وأصبح شخصاً آخر غريبا موحشا لا يعرف الاستقرار وأصبح الحب والحنان عنده شيئا ساذجا تافها غير حريص عليه حيث تغيرت مفاهيمه ومبادئه وقيمه وأصبح الغدر والخيانة دماً يجرى في عروقه وبدأت كل اهتماماته تدور حول ملذاته وشهواته.
ومهما كانت صورة الغدر والخيانة سواء أكانت حسية أم معنوية فهو شيء مؤلم جارح قاس عنيف على قلب المرأة ووجدانها. فالغدر والخيانة لا يرتبطان فقط بالجسد ولكنهما يمتدان أيضاً ليرميا بسهامهما إلى قلب زوجته فيخون مشاعرها وأحاسيسها ويسخر من عطائها ووفائها وإخلاصها وصدقها .
ثانياً : الغرور والأنانية
من الطبيعي جداً أن يقود الغدر والخيانة صاحبه إلى الغرور والأنانية اللذان يعتبران من أكثر الآفات البشرية ضرراً بالإنسان الذي لا يرى في هذه الحالة إلا نفسه ولا يهمه إلا مصلحته وتحقيق رغباته. إن غرور الزوج وأنانيته المطلقة وحبسه في دائرة نفسه تجعل الآخرين يتحاشون حديثه، ويتجنبون مجالسته، ويرفضون الاستماع إليه ، فيعيش منعزلاً في وحدته غريباً في بيته وحيداً مع أهله وأقرب الناس إليه . وفي الحقيقة أن الزوج المغرور هو زوج مقيد بأغلال داخل دائرة نفسه لأنه نسي الله وفارق النفس المستقيمة، وابتعد عن الروح النقية الطاهرة وخاصم القلب السليم الذي يمنح الحب والخير فتشع أنوار الإيمان على الحياة كلها .
ثالثاً : الرأي المستبد
من الأخطاء التي يقع فيها الزوج - مما يهدد حياته بالضياع - : الرأي المستبد والتعصب المستمر ؛ حيث يستبد الزوج برأيه ولا يقبل أي مناقشة فيه ويطلب تنفيذه حتى ولو كان خطأ ولا محل هنا لإقناعه بالعدول عن رأيه ، ولو حاولت الزوجة أن تناقشه في ذلك لشب الخلاف الشديد بينهما وينتهي الأمر إلى إصرار الزوج على رأيه وليكن ما يكون. وفى الواقع أن استبداد الزوج بالرأي وإصراره على أن يخضع الطرف الآخر لهذا الرأي دون مناقشة أو مجادلة حتى ولو كان خطأ فإن هذا يجعل الحياة جحيماً ويجعلها ناراً على الأرض ويزيد من التباعد بين الطرفين، ويقتل عروق المحبة بينهما لأن الحياة الزوجية ليست أوامر تنفذ، وفروضاً يجب أن تطاع، وليست استبداداً أو تملكاً وإنما هي مشاركة في كل شيء.. في الرأي.. في اتخاذ القرارات في محاولة تقريب كل منهما إلى الآخر ودخول كل طرف إلى أعماق نفس الآخر في محاولة فهم كل منهما حتى يستطيعا أن يصلا إلى بر الأمان والحب يسودهما، والهدوء يملؤهما، والاستقرار والهناء والسعادة طريقهما.
فيجب على الزوج ألا يستبد برأيه وأن يثق بشريكة عمره وبمن اختارها قلبه وعقله وأن يشركها دائماً في آرائه ومشكلاته ومحاولة الوصول معاً إلى رأى موحد في مواجهة أي مشكلات أو صعاب لأن انعدام الثقة بينهما واستبداد الزوج برأيه تجعل الحياة جحيماً لا يطاق مما يزيد من صعوبة التفاهم الحر البناء وتبدأ علامات الفشل والضياع تلوح بالظهور كإنذار يهدد استمرار الحياة بينهما، واستحالة العشرة الزوجية مما يقتل الحب ويقضي على الارتباط الذي جمعهما، وتضيع المعاني الجميلة .. والقيم السامية.. واللمسات الرقيقة.. والذكريات الغالية بسبب استبداد الزوج وتعصبه بالرأي فيفقد مثل هذا الزوج أجمل لمسات الحياة من الود والألفة والحب .. والحنان والرحمة .
رابعاً : إهمال الزوجة
من الأخطاء والعيوب التي يقع فيها الكثير من الأزواج هو إهمال الزوجة وعدم الاكتراث بها وبمشاعرها وبمطالبها وآمالها وأحلامها كما لو أنها شيء غير جدير بالاهتمام والاحترام والكثير من الأزواج يدير ظهره إلى الزوجة بدلا من أن يشد أزرها ويأخذ بيدها ويمسك بها حتى تحس بالأمان والاطمئنان.. فتكون النتيجة لهذا الإهمال هو إحساس الزوجة بالضياع والحيرة والندم على هذا الزواج الذي لم يجلب لها إلا الشقاء والتعب والألم النفسي .
هذه هي بعض نماذج السلوكيات التي تدور على مسرح الحياة فتساعد على هجر الزوجة.
أيها الزوج .. هل تظن بعد ذلك أن زوجتك ستحافظ عليك .. وستكون حريصة على الحياة معك ؟
كن عادلاً وواقعياً.. كيف ذلك وأنت تكسر وتهدم كل شيء جميل تحمله زوجتك وتشعر به . إنك تقتلها وهي مازالت على قيد الحياة .. تقتل كل قيمة جميلة أحست وآمنت بها وأخذتها نبراساً يضيء طريقها ، وبدلا من أن تقودها إلى بر الأمان أوصلتها إلى الضياع والتفكير جدياً في هجرك.. فلا تلم إلا نفسك ولا تعلق أخطاءك عليها أو على الأيام والدنيا.. فلقد خلق الله الدنيا جميلة، وأودع فينا عقلاً جوهرة، ندرك به الصواب والخطأ، وجعل لنا قلباً ينبض بالحب ويحس بالدفء والحنان فنشعر بقيمة الحياة وجمالها.
فالعيب فيك أيها الزوج ورسالتي إليك أن تحذر من هجر زوجتك وتبتعد عن مثل هذه السلوكيات التي تسيء إليك، وتهدم بيتك، وتقضى على حياتك. فأنت دعامة البيت . واحرص على المحافظة على كيان أسرتك ، وأضف عليها من حبك وحنانك وحكمتك ما يملأ حياتكما بهجة ، ويجعل أيامكما جمالاً وسروراً ، واصبر على زوجتك واكظم غيظك وتحملها واعرف أنها كثيراً ما تتحملك وتمتص غضبك . ولاشك أنها ستقدر لك صبرك عليها فترد لك ما قدمته من حب وحنان وعطاء ووفاء وإخلاص ليرفرف على حياتكما.
واعلم أيها الزوج بأن العقل وحده لا يكفي لكي تستقيم الأمور..فإن العقل دائماً يحتاج إلى لمسات القلب الدافئ الممتزجة بالحب والحنان فتبعث على الحياة البهجة والجمال والاستقرار.