النرجسية تعني حب النفس وهذه الكلمة نسبة إلى أسطورة يونانية، ورد فيها أن ناريس كان آية في الجمال وقد عشق نفسه عندما رأى وجهه في الماء
الصفة الأساسية في الشخصية النرجسية هي الأنانية فالنرجسي عاشق لنفسه ويري أنه الأفضل والأجمل والأذكي ويري الناس أقل منه ولذلك فهو يستبيح لنفسة استغلال الناس والسخرية منهم.
و النرجسي يهتم كثيرا بمظهرة وأناقته ويدقق كثيرا في أختيار ملابسه ويعنيه كيف يبدو في عيون الأخرين وكيف يثير أعجابهم, ويستفزه التجاهل من قبلهم جدا ويحنقه النقد ولا يريد أن يسمع إلا المديح وكلمات الأعجاب.
يستعمل مصطلح النرجسية عموماً بالمعنى السلبي .. وهو يقترن بالأنانية وحب الذات المفرط والشخصية المدللة التي لاتتحمل المسؤولية ولاتعطي بل تأخذ دائماً ..
وفي الجانب الآخر يستعمل المصطلح بمعنى حب الذات الطبيعي والاعتيادي وأننا جميعاً لدينا رغبات نرجسية تحتاج إلى الإشباع .. وأيضاً أن الدوافع النرجسية وحب الذات موجودة من الطفولة ومن الضروري إشباعها وتلبيتها ..
وببساطة يمكن أن يطرح موضوع النرجسية بشكل كمي ونسبي .. أي أن هناك درجة طبيعية مقبولة وضرورية من النرجسية عند جميع البشر ، ولكنها عندما تزيد في كميتها وشدتها فإنها تصبح مرضية وضارة ومؤذية مما يطرح أهمية الجهود للحد من النرجسية المفرطة والوقاية منها وتعديل الأساليب التربوية والقيم التي تؤكد على الفردية والأنانية .
وفي الحياة اليومية والتربية والأخلاق والدين يستعمل مصطلح النرجسية كمصطلح مرادف ومرافق للأنانية والدلال الزائد ، ومعاكس للغيرية والشعور بالمسؤولية .
ويستعمل المصطلح أيضاً بمعنى حب الذات الطبيعي والاعتيادي المقبول والمطلوب ، في قضايا تربوية وحقوقية وقانونية .. مثل التعبير عن الذات وحقوقها وحقوق الطفل والمرأة والأقليات والشعوب .. ويؤدي الظلم والاضطهاد إلى جروح نرجسية عميقة وردود فعل متنوعة عدوانية ، وتماهي مع البطل المثالي وغير ذلك .
وفي عصرنا الحالي يزداد الاهتمام بالفردية والشكل والصورة والتجميل .. وربما يساهم ذلك في ازدياد السلوك النرجسي ..
ويرجع مصطلح النرجسية إلى الأسطورة اليونانية .. وتحكي الأسطورة أن شاباً جميلاً إسمه نرجس Narcissus رفض حب الحورية المرسلة إليه من قبل الآلهة .. فعاقبته بأن يعشق صورة وجهه المنعكسة على صفحة الماء .. ثم حولته إلى زهرة النرجس .وفي رواية أخرى لنفس الأسطورة أن الشاب الجميل نرجس كان يتمشى في الغابة فرأى انعكاس صورة وجهه على صفحة بئر فأعجب بها جداً واقترب منها كي يعانقها فغرق ومات ، أو أنه غضب غضباً شديداً من صاحب الوجه الجميل الذي رآه وهجم عليه كي يقتله فغرق ومات .. ثم عاقبته الآلهة وحولته إلى زهرة ..عبرة لمن يعتبر .
زهرة النرجس ولها عدة أنواع
وفي تحليل المعاني العامة لهذه الأسطورة تبرز عدة نقاط .. ومنها أن نرجس قد تمرد على إرادة الآلهة بالزواج من الحورية فعاقبته بالموت .. وأن الزواج بين المرأة والرجل هو قانون الطبيعة الأصيل والتمرد عليه يؤدي إلى الهلاك .. وبالنسبة لتفاصيل سلوك نرجس نجد أن حبه المفرط لذاته قد أدى إلى موته وأن حب الذات المفرط يؤدي إلى الغيرة الشديدة والغضب والعدوان والموت ..
النرجسية في التحليل النفسي :
كان فرويد أول من استخدم مصطلح النرجسية من الناحية النفسية .. وقد استعمله بمعنى محدد وهو أن لدينا جميعاً رغبات نرجسية أو حب الذات ، وهي طبيعية ومن الضروري إشباعها ، وأنها تشكل مرحلة من النمو تتطور فيما بعد إلى حب الآخر . وفي حال عدم إشباع هذه الرغبات يحدث الإنكفاء على الذات والتثبت عند مرحلة حب الذات الأولى .
وقد طرح كاوت و كيرنبيرغ Kohut , Kernberger تفاصيل عن مفهوم النرجسية المرضية من وجهة نظر تحليلية وأنها نتيجة لعلاقة باردة غير متعاطفة وغير ثابتة مع الأبوين في مرحلة الطفولة الأولى ، وأنها تعويض مرضي على تلك المرحلة . وبين كيرنبيرغر أن اضطراب النرجسية الشديد أو الخبيث لايمكن علاجه بينما يمكن علاج الحالات المتوسطة أو الخفيفة .
النرجسية في الطب النفسي :
يشير مصطلح اضطراب الشخصية النرجسية في الطب النفسي إلى اضطراب مزمن وشامل في الشخصية وله صفاته وملامحه السلوكية .. وهو يصنف كواحد ضمن عشرة اضطرابات للشخصية في الدليل التشخيصي الأمريكي DSM IV TR 2000 .
واضطرابات الشخصية هذه تقسم إلى ثلاثة مجموعات تضم المجموعة الأولى : الشخصية الشكاكة Paranoid ،والشخصية الفصامية Schizoid ، والشخصية ذات النمط الفصامي Schizotypal . وتضم المجموعة الثانية : الشخصية المضادة للمجتمع Antisocial ، والشخصية الحدودية Borderline ، والشخصية النرجسية Narcissistic ، والشخصية الهستريائية Histirionic . وتضم المجموعة الثالثة : الشخصية الاعتمادية Dependent ، والشخصية القلقة التجنبية Avoidant ، والشخصية الوسواسية القهرية Obsessive compulsive .
وبالطبع تتميز كل شخصية بصفات محددة وسلوكيات ويبدو أن الشخصيات في كل مجموعة لها بعض القواسم المشتركة لذلك تم تصنيفها معاً .
واضطرابات الشخصية تشخص في المحور الثاني للتشخيص أما المحور الأول فهو يضم التشخيص المرضي العيادي مثل الاكتئاب أو القلق وغير ذلك .. بينما في محور التشخيص الثاني توضع اضطرابات الشخصية وحالة الذكاء مثل التخلف العقلي بدرجاته المتنوعة .
: تشخيص اضطراب الشخصة النرجسية
يتطلب التشخيص وجود خمسة صفات وسلوكيات من النقاط التسعة التالية .. وهذه الصفات والسلوكيات مزمنة وبعد عمر 18 سنة وتؤدي إلى مشكلات ومعاناة وصعوبات في التكيف
- تضخيم قيمة الذات وميزاتها ومهاراتها .
- الانشغال بخيالات النجاحات الباهرة ، القوة ، الذكاء ، الجمال ، الحب المثالي .
- الاعتقاد بأنه شخصية متميزة وأنه لايفهمه إلا المتميزون ولايتعامل إلا مع المتميزين .
- يتطلب الاعجاب والإطراء دائماً .
- يعتقد أنه يستحق الامتيازات وأن يعامل بشكل متميز واستثنائي .
- نقص التعاطف مع الآخرين .
- يستغل الآخرين .
- يغار من الآخرين كثيراً أو يعتقد أن الأخرين يغارون منه .
- متبجح ومتغطرس في سلوكه وكلامه .
وفي حال عدم توفر عدد كاف من الصفات والسلوكيات مما سبق لايمكننا أن نطلق تشخيص اضطراب الشخصية النرجسية ، وتوصف
الحالة عندها بأن لديها بعض صفات الشخصية النرجسية ، وهذا شائع في الحالات العامة والعيادية .
صفات وسلوكيات أخرى شائعة
الإحساس بالضعف ، أنه غير مرغوب فيه
عدم تقبل النقد والغضب الشديد من النقد واللوم
عدم تحمل الإحباط
الانسحاب الاجتماعي أحياناً
صعوبة التعاون مع الآخرين
مشكلات مهنية
البحث عن الاهتمام وإثارة الانتباه
مشكلات في العلاقات الشخصية والزواج
وفي الممارسة العيادية نجد حالات الخوف من الزواج والتي تتظاهر برفض الخطوبة أو الطلاق سريعاً بعد أيام أو أسابيع دون سبب مقنع ويمكن أن يكون اضطراب الشخصية النرجسية أو وجود عدد من صفات الشخصية النرجسية وراء عدد من هذه الحالات .
ربما تزداد صفات الشخصية النرجسية
في عدد من المهن مثل المهن الإعلامية والأدبية والفنية والرياضية " النجوم عموماً " ؟؟
في الجماعات المغلقة ، والطبقات الأعلى ؟؟
لدى متفوقي الجمال من الجنسين ؟؟
الاضطرابات المرافقة :
- الاكتئاب بأنواعه .. الاكتئاب الخفيف المزمن والاكتئاب الشديد وتغيرات المزاج . وفي حالات الشعور بالعظمة يكون المزاج
شبه هوسي . مع ازدياد في النشاط
- الإدمانات المتنوعة ولاسيما الكوكائين .
- القمه العصبي . "أو النحول الزائد والسعي إلى تخفيف الوزن والشعور بأنه زائد الوزن " Anorexia Nervosa
- يمكن للشخصية الهيستريائية،الحدودية،المضادة للمجتمع والشكاكة أن تترافق معها ”Histirionic,Borderline,Antisocial,Paranoid”
الانتشار:
حوالي 1% من الناس وحوالي 16-2 % في العينات العيادية .
وهي تنتشر عند الرجال أكثر من النساء وبنسبة 50-75% من الحالات العيادية . وربما تزداد نسبة انتشارها عند النساء في الوقت الحالي ؟؟
الأسباب :
لاتزال أسباب اضطراب الشخصية النرجسية غير معروفة على وجه الدقة .. وهناك عدة نظريات وتفسيرات تشرح سبب نشوئها ومنها :
-حساسية مفرطة منذ الولادة .
- التدخل الزائد من الأهل والتقييم المفرط منهم .
- الإعجاب الزائد وغير الواقعي من الأهل .
- السلوك غير المتوازن وغير المتوقع من الأهل .
- الإيذاء النفسي للطفل .. حيث يساهم ذلك في تكوين ردود فعل خاصة واهتمام زائد بالذات وبحبها .
-الإطراء الزائد من الكبار للصفات الجسمية أو غير الجسمية للطفل .
- التشجيع الزائد للسلوك الجيد والتوبيخ الزائد للسلوك السيئ ..
- من الوجهة التحليلية النفسية هناك علاقة مضطربة مع الوالدين حيث يفشل الأبوان في بناء علاقة متعاطفة مع الطفل ، وهذا يؤدي إلى شعور الطفل بأنه غير مهم وأنه غير مرتبط بالآخر ، ويولد ذلك اعتقاده بأن لديه عيوباً في شخصيته تجعله دون قيمة وغير مرغوب فيه .
- نظريات أخرى ..؟؟
العلاج :
- طرح جيفري يونغ ”علاج منظومة التفكير“ Schema therapy والتي بدأها آرون بيك ( العلاج المعرفي )، واعتبر أن ”منظومة القصور" التي يتبناها هؤلاء الأشخاص هي الأساس لفهم العمليات العقلية لدى الشخصية النرجسية ”
ويتضمن العلاج المطروح أساليب تحليلية وديناميكية ومعرفية وسلوكية .
- نادراً ما يلجأ المرضى للعلاج لأن في ذلك إهانة لهم ، وهم يأتون للعلاج بعد حدوث أعراض اكتئابية أو مشكلات عاطفية أو مهنية أو غير ذلك ..
- العلاج الدوائي نادراً مايستعمل إلا في الحالات المرافقة .
- العلاج الداعم والاستشارة النفسية والمساعدة على التكيف وتخفيف الأذى والضرر ضروري في عدد من الحالات من خلال تدخل
. الأهل وغيرهم ، لتخفيف الأذى الذي يمكن أن ينجم عن السلوك النرجسي
- تنمية مهارات التواصل مع الآخر وتفهمه ، تنمية الذكاء الاجتماعي والانفعالي .
- العلاج التحليلي طويل الأمد ، قصير الأمد ... يمكن أن يفيد في عدد من الحالات .. ومن الضروري مواجهة نقاط الضعف عند المريض مبكراً في الجلسات العلاجية .
الوقاية :
الوقاية في مختلف الاضطرابات النفسية موضوع لايزال غامضاً بسبب غموض الأسباب .. والنصائح العامة الوقائية ترتبط بما تخبرنا به النظريات السببية .. ومن المهم تعديل الأساليب التربوية وسلوك الأهل تجاه أطفالهم والتدليل الزائد يمكن أن يؤدي إلى مجموعة من الاضطرابات والصفات الشخصية المرضية ، وكذلك إهمال الطفل وإيذاؤه , ومن المفيد الاهتمام بالقيم التي تؤكد العطاء والغيرية والمثل العليا والمسؤولية تجاه الذات وتجاه الآخرين . كما تقيد الجهود التربوية والتثقيفية التي تسعى إلى زيادة مهارات التواصل الاجتماعي والذكاء الاجتماعي والانفعالي وثقافة الحب بمختلف مكوناتها والتي تسعى إلى الامتداد إلى الآخر والتعاون معه من أجل حياة أفضل .
أمثلة عيادية : سريعة
-1 فتاة 39 وعمرها سنة لديها مشكلات في العلاقات مع الآخرين والأصدقاء وهي تخسر أصدقائها بشكل متكرر ،ولديها خوف من الزواج وقد خطبت ستة مرات وكتب كتابها دون دخول 4 مرات .. وفي كل مرة تغير رأيها في الزوج وتنسحب وتقدم تبريرات غير مقنعة، ولديها إحباط وقلق ومخاوف اجتماعية . . وبعد آخر فشل في الزواج شعرت بضرورة مراجعة الطبيب النفسي
-2 شاب وعمره 50 سنة لديه مشكلات زوجية وجنسية وعدم انتصاب أحياناً عندما تضايقه زوجته ولاتلبي له رغباته ، ولديه مشكلات مهنية متكررة ، وأيضاً يعاني من قلق شديد على أمور صحية اعتيادية ، زيادة استعمال المهدئات .
-3 شاب وعمره 39 سنة لديه مشكلات بطالة ولايحب أن يعمل وبعد ضغط الأهل يمارس عملاً لمدة قصيرة ويتركه ، ولديه مشكلات عائلية وعاطفية متنوعة والجميع يصفه بأنه يحب نفسه فقط ولايريد أن يقوم بأية مسؤولية ، ولديه سوء استعمال للكحول ، واكتئاب خفيف .. وبناء على إلحاح أهله قام بزيارة الطبيب .