التكاثر في الحيوانات عالم مليء بالأسرار والغرائب والعجائب, وقد لا يصدقها عقل ولكن الأبحاث العلمية التي أجريت عليها والتي تابعت عمليات التكاثر فيه أكدتها, فمثلا بعض أنواع السحالي في أميركا الشمالية, يتم تلقيح بويضاتها دون ذكر, وأنثى الجراد الأخضر تأكل رأس الذكر أثناء التزاوج, دون أن يؤثر ذلك على الأداء الجنسي, وذكر العناكب يترك جزءا من أعضائه داخل الأنثى, لضمان عدم زواجها من ذكر آخر, حتى لا تختلط الأنساب, وسمك البلطي يرعي صغاره داخل فمه, ثم يخرجها بعد أن تصبح قادرة على الاعتماد على نفسها, وذكر سمك "الغروبر " يتزوج بأكثر من أنثى داخل القطيع, ولكن يراعى الأقدمية, أما اناث طائر "الحسون " فلا تكتفي بزوج واحد, لضمان عملية الاخصاب الجيد..فعن أغرب طرق التكاثر في الحيوانات, كان هذا التحقيق:
يقول الدكتور حنفي امبابي- أستاذ فسيولوجيا الحيوان والتناسل بكلية الزراعة جامعة عين شمس: وسائل التكاثر في الحيوانات كثيرة ومتعددة, ومنها الشائع والمعروف ومنها الغريب والعجيب, فأسماك القرش تلقح نفسها ذاتيا, دون الحاجة الى ذكر, وفي العناكب يقوم الذكر بترك جزء من أعضائه داخل الأنثى بعد التزاوج, بهدف غلق الباب على أي ذكور أخرى, حتى لا تختلط الأنساب, وتفرز اناث القرود رائحة خاصة لجذب الذكور اليها, وفي عالم النحل يموت الذكر بعد تلقيح الملكة, وأنثى الكلاب تمسك بالعضو الذكري لبعض الوقت, وذلك لضمان وصول الحيوانات المنوية للبويضة, وهناك نوع من الجراد الأخضر, تقوم فيه الأنثى بالتهام رأس الذكر أثناء ممارسة التزاوج, حيث يكون جسد الذكر قادرا على مواصلة عملية التلقيح بدون الرأس, كما أن بعض أنواع السحالي في أميركا الشمالية يتم تلقيحها عن طريق السحاق بين الاناث, والتي تعلب دور الذكر شكليا فقط, لتحفيز عملية التلقيح الذاتي لديها, وفي الضباع تفضل الاناث التزاوج من الذكور الغريبة عنها, من قطيع آخر, وتزهد في الذكور التي تعرفها, كما اكتشف العلماء أن معظم اناث طيور "الحسون", لا تكتفي بزوج واحد فقط, وانما تلجأ لمعاشرة أكثر من طائر, اعتقاداً منها بأن ذلك يساعد على الاخصاب الجيد للبيض.
الذكر الملون
ويشير الدكتور ممدوح عاكف- أستاذ الأحياء المائية بكلية العلوم جامعة القاهرة الى أن ظاهرة التكاثر العذري, وتعدد الزيجات تنتشر في حيوانات البيئات المائية, كبرغوث الماء, وقناديل البحر, والشعاب المرجانية, وفي قطيع سمك الغروبر المكون من ذكر واحد ملون كبير الحجم واناث من (3 - 5), حيث تتم عملية التزاوج مع الذكر الأوحد بين الاناث بحسب الأقدمية, فالأقدم هي التي تبدأ بالتزاوج وهكذا, وعند موت الذكر تتحول أقدم أنثى الى ذكر, وتصبح الأنثى الثانية في القطيع هي الأنثى الأقدم, وظاهرة التحول الجنسي تنتشر بين الاناث التي يوجد بجسمها الأعضاء الأنثوية والذكرية, وفي مالاوي بأفريقيا, وفي موسم تزاوج حيوان يدعى ال¯ "سيرتوكارا", يجتمع حوالي 50 ألف ذكر في منطقة طولها 4 كم, ويقوم كل ذكر باستعراض مهاراته لجذب الأنثى حتى يحدث التزاوج, ثم يعود للقطيع مرة أخرى, ويمارس نفس الطقوس لجذب أنثى أخرى وهكذا, أما سمكة "الأنغلر" التي تعيش في أعماق البحار والمحيطات, فتلتصق ذكورها الصغيرة الحجم بجسم الأنثى كبيرة الحجم, فتتم عملية التزاوج, وتستفيد الصغار بالتزاوج والغذاء.
ويضيف الدكتور عاكف: وفي البيئات البرية هناك الكثير من الغرائب تحدث أثناء عملية التكاثر, ففي النحل يموت الذكر بعد تلقيح الملكة, وتقوم الأم بتلقيح البيض على حسب الحاجة, فاذا كانت الخلية في احتياج الى شغالات, تقوم الأم بتلقيح البيض بالحيوانات المنوية المخزنة بداخلها, وتتغذى الصغار بغذاء معين تصبح بعدها شغالة, واذا كان المطلوب ملكة تقوم الأم بتلقيح البيضة, وعند الفقس تتغذى الملكة الجديدة بعسل خاص بالملكات, أما اذا كان هناك نقص في الذكور لا تقوم الأم بتلقيح البيض, وفي بعض أنواع العناكب والعقارب تأكل الأنثى الذكر بعد التزاوج, وقد طورت بعض العناكب نفسها لكي لا تؤكل بعد التزاوج, ويلاحظ في موسم التزاوج سواء في البيئات المائية أو البرية, حدوث تلون لجسم الحشرة أو الحيوان كنوع من وسائل الجذب, ومن لا تملك التلون تفرز روائح جاذبة أو مواد كيميائية خاصة, وهو ما يحدث في بعض أنواع الضفادع والثعابين.
الديدان الاسطوانية
وينفي الدكتور عبد الرحمن محمد بشطر - رئيس قسم علم الحيوان بكلية العلوم جامعة القاهرة, انقراض أي نوع من الكائنات أو اختفائها من الطبيعة, فالديناصورات لم تنقرض حتى الآن وما زالت موجودة, ولكن اتخذت أشكالا اصغر حجما نتيجة ظروف الطبيعة, ومحدودية الموارد وتغير المناخ, حيث يمثل التمساح والضب صورا مصغرة منها.. وهناك أيضا بعض الحيوانات التي تتصف بظاهرة التكاثر الذاتي, فحيوان الاسفنج في الظروف العادية يتكاثر جنسيا " ذكر وأنثى ", ولكن في الظروف غير العادية يتكاثر لا جنسيا, والديدان الاسطوانية, تحمل كلا الجهازين الذكوري والأنثوي, فيتم التلقيح ذاتيا, وفي حال مواجهة ظروف غير طبيعة يختفي الذكر ويضمر, وفي بعض الحشرات, وكثير من الحيوانات يحدث اللقاء الجنسي مرة واحدة بين الذكر والأنثى في الحياة, وتظل الأنثى تحتفظ بالحيوانات المنوية في حويصلتها, حيث تخصب به البيض كلما أرادت التكاثر, وهناك حيوانات ينمو فيها الذكر قبل نمو الأعضاء الأنثوية, وعندما يحدث اللقاء الجنسي, تحتفظ الأنثى بالحيوانات المنوية حتى يكتمل نموها, ثم تقوم بعد ذلك بتلقيح البيض, وينتشر هذا الأمر في السحالي والثعابين, ومن الغريب في حياة البلهارسيا, أن طفيلا واحدا يخرج من البيضة فيدخل القوقع, فيخرج منها ملايين الديدان, وفي الفئران عندما تكون موارد الطعام محدودة, ولا تكفي يقوم البعض بالتخلص من حياته عن طريق الانتحار.
فرس البحر
وتوضح الدكتورة سميرة سالم - أستاذ علوم البحار بكلية العلوم جامعة القاهرة بأن معظم أنواع أسماك القرش يتم تلقيح بيضها داخليا, وفي بعض الأنواع فان الأجنة داخل بطن الأم يأكل بعضها بعضاً, وهناك الكثير من الأسماك تعتني بالصغار بعد فقس البويضات داخل تجويف الفم, ثم تقوم بعد ذلك باخراجها من فمها, مثل أسماك البلطي, والبعض الآخر يمتلك كيسا داخل تجويف بطن الذكر, مثل أسماك فرس البحر, وأنواع الأسماك النوبية, حيث تضع البويضات في هذا الكيس, حتى تفقس, فيقوم الذكر باخراج الصغار من تجويف البطن, عن طريق التقلص عدة مرات, فيبدو وكان الذكر هو الذي يلد, أما الثدييات البحرية وهي أرقى الكائنات البحرية, كعرائس البحر والحيتان والدرافيل, فانها مثل بقية الثدييات تلد وترضع اللبن لصغارها, ولا تلد أكثر من صغير أو اثنين, ولا تتركه حتى تدربه على كيفية مواجهة مصاعب الحياة البحرية.
وهناك أسماك الشعب المرجانية, وهي صغيرة جدا ورقيقة وجميلة, وتضع البيض الملقح في ما يشبه المحفظة, وتعلقها في الشعب المرجانية, وتراقبه للحفاظ عليه من الأعداء, وتدافع عنه بشراسة لدرجة أنها تقاتل أسماكا اكبر منها عشرات المرات للحفاظ على أسماك المستقبل, والسبيط " السبيبا " تضع البيض الملقح, في عناقيد تتدلي في مناطق الشعب المرجانية, ثم تصوم حتى لا تضع فضلات فتؤذي بها البويضات, كما تقوم بعمل تيارات هوائية في المياه لتجديد الأكسجين حول البويضات الملقحة, الى أن تخرج الصغار الى الحياة, ثم تفارق الحياة, فهي لا تعيش أكثر من جيل واحد, أما أسماك السلمون فتخوض رحلة بحرية شاقة, وعكس حركة التيارات المائية, لكي تعود مرة أخرى الى المكان الذي شهد ميلادها, لتضع بيضها, ثم تغادر الحياة.
ان ظاهرة الانجاب من دون ذكر منتشرة بشكل كبير في بعض أنواع الأسماك, والتي تكون خنثى أي تحمل الأعضاء الذكرية والأنثوية في ذات الوقت, وبعضها عندما يموت قائدها, يحدث تحول جنسي للذكر أو للأنثى, حيث تنشط الأعضاء الجنسية الضامرة سواء الذكرية ان كانت أنثى أو الأنثوية ان كانت ذكرا, وذلك للقيام بدور القيادة, وفي المزارع السمكية يوجد ما يسمى بمزرعة الجنس الواحد, حيث يضع القائمون على تربية الأسماك هرمونات في الطعام الذي تتغذى عليه الأسماك, من أجل توحيد الجنس, أي جعلها كلها ذكورا أو اناثا, وذلك للحصول على معدل نمو أعلى, لأن الأسماك تفقد جزءا من طاقتها في حال وجود الجنس الآخر أثناء عملية التزاوج, ويحدث ذلك عادة في المزارع السمكية الموسمية.