تمتاز خيوط العنكبوت بشدة متانتها وملاسة سطحها، وقد عجز العلم عن إنتاج تقليد صناعي لها حتى الآن. يطمح الجراحون إلى الاستفادة من مزاياها واستخدامها لإصلاح الأوتار والألياف العصبية وخاصة لضحايا حوادث الدراجات النارية.
إذا عثر أحدنا على عنكبوت في بيته فإنه غالبا ما يسارع إلى التخلص منه، خاصة إذا كان أحد سكان البيت يخاف من العناكب. أما في مركز الأبحاث التابع لكلية الطب في جامعة هانوفر الألمانية فالأمر مختلف: العناكب هنا مرحب بها ويوجد غرف مخصصة لنوع من العناكب يعيش عادة في أمريكا الجنوبية ويطلق عليه اسم نيفيلا أو عنكبوت الحرير الذهبي. ويصل طول أنثى هذا العنكبوت إلى 4 سنتيمترات، أي ما يساوي صحن فنجان. وقد أحضر الباحثون حوالي 40 عنكبوتاً، بنت بيوتها وشباكها الكبيرة فوق رؤوس الباحثين.
سبع غدد في مؤخرة العنكبوت لإنتاج الخيوط
في كلية الطب بجامعة هانوفر يوجد مختبر الدكتورة كريستينا ألميلينغ، المتخصصة في جراحة اليد والتجميل. على بعد خطوات من المصعد يوجد مكتبها الذي أفرغته من معظم أثاثه وأسندت جذوع أشجار بأغصانها على جدرانه، وعند عبور الغرفة تتجه أنظارها إلى السقف حيث تتدلى رؤوس العناكب في شباكها وتقول: "هنا توجد العناكب التي نسحب منها الخيوط الحريرية، وقد بلغت الآن حجماً معقولاً. هذه العناكب قادرة على التعايش مع بعضها البعض في مكان ضيق".
شباك العنكبوت ضخمة ويصل قطر الشبكة الواحدة إلى متر، وفي الوسط يقبع العنكبوت بأرجله الطويلة المخططة بالأسود منتظراً فريسته. تمد الدكتورة ألميلينغ يدها وتمسك بالعنكبوت وتخرجه من شبكته وتقول: "نحن لا نؤذي العنكبوت، نحن نثبّت أرجله فقط في قطعة من الشاش بحيث لا يعود قادراً على الحركة وبحيث تطل مؤخرته فقط من قطعة الشاش".
ينسج العنكبوت خيوطه بمؤخرته، لذا تبحث الدكتورة ألميلينغ عن طرف الخيط وتلصقه على مغزل كهربائي فيه عَجَلٌ قطره 30 سنتيمتراً، وتشغله لسحب حوالي 200 متر من هذه الخيوط الحريرية.
وتقول ألميلينغ بعد أن ثبتت أرجل العنكبوت: "يوجد في مؤخرة العنكبوت سبع غدد لإنتاج الخيوط، وعندما نمسك بطرف الخيط لا يعود العنكبوت قادراً على وقف عملية الإنتاج". تعرف الدكتورة ألميلينغ طول الخيط الذي تستطيع سحبه من العنكبوت هذا اليوم، وتقول إن طوله يتوقف على حجم العنكبوت وغذائه، وتضيف: "على العنكبوت أن يصبر حتى ننتهي من مهمتنا".
مزايا فريدة
الهنود في أمريكا الجنوبية يستخدمون خيوط العنكبوت منذ القدم لتضميد الجراح وتمتاز خيوط العنكبوت بمتانتها وهي تستعمل في الجراحة وإصلاح الأضرار التي تصيب الأوراد والألياف العصبية. وعن مزايا استعمال خيوط العنكبوت في الجراحة يقول البروفيسور بيتر فوغت، المتخصص بجراحة التجميل: "خيوط العنكبوت متينة جداً وهي لا تنقطع عند شدّها. كما أنها مكونة من مواد طبيعية وليست كالخيوط البلاستيكية الصناعية المستخدمة عادة لتخييط الجروح والتي لا تتحلل، وإذا تحللت في الجسم فقد تؤدي إلى التهابات". أما خيوط العنكبوت فلديها القدرة على تحليل نفسها بنفسها دون أن ينجم عنها تهيّج في الأنسجة.
سكان أمريكا الجنوبية الأصليون يستعملون هذه الخيوط منذ القدم، فهم يأخذون خيوط شبكة عنكبوت كاملة ويضمدون بها جراحهم لوقف النزيف. والآن يريد البروفيسور فوغت استخدامها في عملياته الجراحية وخاصة لسائقي الدراجات النارية، الذين يصابون بتمزق في أعصاب الكتف بعد حوادث السير، وهذا يؤدي إلى إصابة الذراعين واليدين بالخدر، لأن الألياف العصبية التي تنمو بعد الحادث لا تتصل بالألياف العصبية في الذراعين واليدين بشكل كامل. وهنا ستلعب خيوط العنكبوت التي يتم زرعها في الكتف دور الموصل بين الألياف العصبية.
ويشرح البروفيسور فوغت هذه العملية الجراحية: "نستعمل في الغالب وريداً من الخنزير كوعاء بيولوجي. نقوم أولا بإخراج الخلايا من الوريد ثم نضع مئات من خيوط العنكبوت فيه، وحين تنمو ألياف عصبية جديدة فإن نموها يكون بمحاذاة خيوط العنكبوت". ويضيف فوغت بأن الألياف العصبية تنمو على طول خيوط العنكبوت الحريرية، وبالتالي تهتدي الألياف العصبية إلى الأعصاب في الذراعين وتلتحم معها.
أجرى الباحثون تجاربهم على الخراف وتكللت بالنجاح، وينوون قريباً تطبيق هذه الجراحة على البشر كي يستفيد الإنسان من فوائد خيوط العنكبوت أيضاً.