أراد الدكتور جون روسّي، أخصائي علم الفيروسات، وزملاؤه إيجاد علاج لمرض سرطان الغدد الليمفاوية، وهو مرض شائع بين مرضى فقدان المناعة المكتسبة - الايدز. بدأ الأطباء علاج مرضاهم الأربعة، في مدينة الأمل الطبية في كاليفورنيا بجرعة قوية من العلاج الكيميائي لقتل الخلايا السرطانية. لكن، وبما أن أدوية السرطان ُتدمر النخاع العظمي "نقي العظام" وتدمر نظام تكوين الدم، سحبَ الأطباء من المرضى خلايا جذعيّة مُكوّنة للدم قبل بدء العلاج، لكي تتولى هذه الخلايا عملية إنتاج النخاع العظمي "نقي العظام" وإنتاج نظام الدم بعد انتهاء العلاج الكيميائي. وعن نتائج هذه العملية قال الدكتور روسّي"نجحنا عبر زراعة الخلايا الجذعية وجرعة العلاج الكيميائي القوية بشفاء المرضى من الايدز، فحتى اليوم لم يعد سرطان الغدد الليمفاوية إلى الظهور".
تكوين نظام مناعة جديد
بذلك حقق الأطباء هدفا من أهداف العلاج. إلا أن جون روسّي وزملاءه أرادوا إثبات أن العلاج الجيني قادر أيضا على حماية نظام المناعة والدم الجديد من الإصابة ومنع مرض الايدز من مهاجمة الخلايا وتدميرها. "أدخلنا تعديلات وراثية إضافية على الخلايا الجذعية للدم. وكان الهدف هو جعل الخلايا الجذعية المعدلة جينيا تدخل إلى النخاع العظمي "نقي العظام" لكي تنتشر من خلاله تدريجيا في باقي أنحاء الجسم وتكوّن نظامَ مناعة خاص بالجسم.
وجميع هذه الخلايا اللمفاوية "التائيّة" والخلايا اللمفاوية "البائيّة" والخلايا البلعمية "المفترسة" تحمل المعلومات الوراثية الإضافية. وقد أظهرت التجارب المخبرية والتجارب على الحيوانات أن هذه الخلايا المعدلة وراثيا غير حساسة إلى حد كبير ضد فيروس نقص المناعة المكتسبة المسبب لمرض الايدز". ومن الجدير ذكره هنا أن الخلايا اللمفاوية "التائيّة" والخلايا اللمفاوية "البائيّة" تشكلان معا المناعة المكتسبة.
فيروس الايدز يرسل مبعوثين
استخدم العلماء فيروسات بطيئة " Lenti-Viren " غير ضارة، كوسيلة لإنتاج الجينات في الخلايا بشكل يجعلها جزءا من الجينوم. هذه الجينات مبرمجة لإنتاج قصاصات من الحمض النووي الريبي، وهذه القصاصات تتحرك في الخلية باحثة عن "رُسُل" فيروس الايدز، وفي حال عثورها على أحد هؤلاء الرسُل فإنها تلتحم به، ثم تقوم الخلية بالتعرف عليه وتدميره. "بعض قصاصات الحمض النووي الريبي قادرة على التعرف على "مبعوث" حمض ٍ نووي ٍ ريبي مكون من جينين اثنين فقط، يحتاجهما فيروس الايدز للتكاثر ويطلق على هذين الجينين اسم Tat و Rev. وهناك قصاصات حمض نووي ريبي مبرمجة للتصدي لجينوم فيروس الايدز". ويستخلص الدكتور جون روسّي الهدف من الأبحاث التي يقوم بها قائلا" إن طريقة العلاج بالجينات تستهدف وقف تكاثر فيروس الايدز في أكبر عدد ممكن من المواقع في الجسم".
أول تجربة للعلاج الجيني على البشر
إضافة إلى ذلك طور العلماء جينا آخر مهمته الحيلولة دون دخول فيروس الايدز إلى الخلية. وبعد مرور سنتين على العلاج بهذا الجين، اكتشف العلماء أنه مازال موجودا في نظام مناعة الخلايا التي زرعوه فيها. وهذا يعني أن الجسمَ لم يرفض الخلايا المعدلة وراثيا والتي تم زرعها في أجسام المرضى، إذ لم تظهر لدى المرضى آثار جانبية لا بعد عملية العلاج الجيني مباشرة ولا بعد مرور شهور على زرع هذه الخلايا.
لكن العلاج الجيني لم يؤثر بشكل إيجابي على مسار الإصابة بمرض الايدز، لأن العلماء اكتفوا بإجراء تعديل وراثي على عدد قليل فقط من خلايا الدم الجذعية. فالدكتور جون روسّي يرى أنه لا يجب الاعتماد على العلاج الجيني وحده لشفاء مرضى الايدز، لأن هذا قد يُعرّض حياتهم للخطر. "لقد حصل مرضانا قبل العلاج الجيني وبعده على خليط من ثلاثة أدوية تستعمل اليوم في علاج الايدز. وقد استجاب المرضى الأربعة، الذين نجري عليهم أبحاثنا، لهذه الأدوية بشكل جيد".
لقد أثبت العلماء في مدينة الأمل الطبية في كاليفورنيا من خلال أول علاج جيني للبشر ضد مرض الايدز، أن خلايا الدم الجذعية قابلة من خلال تعديلها وراثيا لأن تكتسب مناعة ضد فيروس الايدز. لكن ما زال مبكرا القول إذا ما كان العلاج الجيني سيصبح بديلا للعلاج بالأدوية أم لا.