( قال الراوي ) فلما فرغ شيبون من شعره ومقاله ختم الكتاب وارسله الى خاله مع رجل من ابطاله فلما فتحه الزير وقرأه وعرف فحوى معناه أجارت وغاب من ديناه وقد شق عليه وتأسف وصفق كفا على كف وقال انه معذور في هذه الامور لانه جاهل مغرور فلقتضى ان ينتصح قبل ان يفتضح فاجابه على ابياته تقول :
قال ابو ليلى المهلهل انني مفرج الكروبات في يوم الزحام
يا فتى شيبون يا ابن اختي ضباعا تهددني في كتابك يا غلام
ثم تطلبني الى سوق المجال وانت قصير على وضرب الحسام
احتفظ من ان تجهل يا امير الجهل يسقيك كاسات المدام
اطرد الشيطان ابليس اللعين وانتصح من قول خالك ياهمام
لاتخالفني واسمع ما اقول يقتلك جهلك وما تبلغ مرام
رد عما انت فيه ولاتزيد ان كنت تبغي حربي والصدام
شد عزمك غدا انتلاقى سوى من طلوع الفجر الى وقت الظلام
فلما انتهى الزير من شعره ونظامه ارسل الكتاب الى ابن اخته شيبون فلما فتحه وعرف ما احتوى عليه من المضمون مزقه ولم يكترث ولما اصبح الصباح واشرق بنوره ولاح ودقت طبول الحرب والكفاح وركب شيبون وجساس وكذلك الزير الفارس الدعاس والتقوا با بطالهم ورجالهم وتشددا في قتالهم وكان شيبون قد برز الى ساحه الميدان وتبعه الابطال والفرسان والتقى بفرسان تغلب وفعل بهم العجب فما صدم فارسا الااعطبه وعن ظهر جواده اقلبه ثم صاح وحمل بقلب اقوى من جبل وطلب براز خاله المهلهل وكان الزير لما شاهد افعال ابن اخته وما فعل بابطاله ورفقه حمل عليه واحمرت اماق عينينه وقال اذهب يا وجه العرب قبل ان تهلك وتعطب فقال الى اين اذهب يا خالي وانت غايه بغيتي وامالي فو الله لاقتلك في هذا النهار واطفى اخبارك من بين القوم لانك طغيت وتجبرت وافتريت فاغتاظ الزير من هذا الكلام والتهديد والتقاه بقلب شديد وجرى بينهما في اليتال وقائع واهوال تشيب الاطفال ولما طال المطال قال له الزير امام تالابطال ارجع يا ابن اختي بامان قبل ان يحل بك الهوان وتلحق باخيك شيبان فارجع الى اهلك وامك وارسل لي ابطال قومك مع جساس عمك فلم يجبه شيبون بكلام بل كان يقايل كسبع الاجام وكان الزير كلما حكم عليه باالضرب في الحرب تمنع عن اذاه شفقه عليه واكرام لخاطر والديه وما زال يقاتله ويداريه وينصحه بتلرجوع عما فيه الى ان اقبل الظلام فعند ذلك توقف القتال ورجعت الفرسان الابطال عن ساحه المجال ثم
والتقوا في اليوم الثاني وكان أول من برز الى ساحة الميدان الامير شيبون فصاح وطلب براز المهلهل فالتقاه الزير ونهاه عن قتا له فلم ينتصح بمقا له بل تقد م ا ليه وهجم عليه واشار يقول متهددا اياه امام الفرسان والفحول :
أنا شيبون ابن همام الامير فارس الفرسان في يوم النكير
استمع يازير قولي وافهم لابد من قتالك يا وغدا حقير
مابقالك مخلص مني ولا من حسامي اليوم لو انك تطير
ثم آخذ ثار اعمامي الجميع كم بطل صنديد صيرته حقير
ليس لك قلب على اختك يحن وأولاد عمك ذاقوا منك النكير
كم قتلت منهم خلق كثير كم يتمت كل طفل صغير
سوف ترى حربي يا مهلهل في لقاء الابطال ما لي نظير
قد اخبروني يوم جئت بانك يا قليل العقل تركب للحمير
مايقنى الحمار الا الحمار ما انا مثلك ولاعقلي صغير
هات لي سيفك ورمحك والثياب هات ابو حجلان كاطير يطير
حتى اقتلك من حسامى والقنا وتطلب الجير ومثلى من يجير
ان كنت لاتنصح فهذا حربنا ويكون النصر من رب القدير
فلما سمع الزير هذا الكلام وقع عليه اشد من ضرب الحسام فأجابه يقول :
قال ابو ليلى المهلهل ثم قال انت ياشيبون ماعاد لك بعير
هرجت ياشيبون مافي قولك كثير الجحش لا تخطل كما يحمل بعير
لو سقيت الجحش من سكر وسمن ولو خلطت له الصنوبر والشعير
لا عاش اصله ماينفع منه الجميل اكيد هو مجنون من يقني الحمير
وانت ياشيبون لو لم تكن حمار مارجعت اليوم الى حربي تغير
فاني قد عفوت عنك البارحه من امك وابوك نعم النصير
وانت تعلم انني سبع الرجال قتلت منكم اثنى عشر الف امير
هذا من غير التوابع والغريب تاه فيهن العدد ناس كثير
كم نصيحه نصحتك لاتنتصح جاهل سوف تقع في وسط نير
لم يبق لي ذنب ان اتك مني ضرب بهدى الابدان ماعاد لك مجير
دونك الميدان ياشيبون قم وقو عزمك لايكون باعك قصير
( قال الراوي ) فلم يلتفت شيبون الى كلامه ولا أكترث بالتوبيخ والملام بل حمل عليه حملة أسد الغاب واخذ معه في الطعان والضرب فالتقاه مهلهل بالعجل بقلب اقوى من الجبل واشتد القتال وعظمت الاهزال حتى تعبت من تحتها الخيل وارتخى منهما العزم والحيل ومالا على بعضهما البعض كل الميل وكان الزير يطاوله ويحاوله واستمر يقاتلان ثلاث ساعات من الزمان حتى استعظمت من قتالهما الفرسان وشخصت اليهما عيون الشجعان وكان الامير شيبون يود ان يقتل خاله ويعدمه الحياة ويفتخر بقتله على اهله واقرباه الى ان غنم الفرصة عليه فهز الرمح وطعنه بين ثديه فخلى المهلهل منها فراحت خائبه بعد ماكانت صائبه فزاد الزير غضبا وتوقد قلبه والتهب وصمم على ان يسقيه كأس العطب فجذب سيف حكمون وقال اليوم اريك يمجنون كيف الضرب يكون لاني نصحتك فما انتصحت ولقد خسرت وماربحت ثم تقدم اليه وهجم عليه وضربه على مفرق راسه فسقه الى تكه لباسه فوقع على الارض يتخبط بعضه ببعض فلما رآه المهلهل وهو قتيل يتململ ندم على مافعل فتحسر وهطلت الدموع من عينيه فلما قتل الامير شيبون احمرت من بني مرة العيون وزادت عليهم الحسرات
وايقنوا بالهلاك والشتات ولكنهم اخفوا الكيد واظهروا الصبر والجلد وقاتلوا قتال الاسود وطلبوا الرايات والبنود فالتقاهم الزير بالعساكر وضرب فيهم بالسيف البواتر واحاط بهم احاطة الخواتم بالخناصر وقتل منهم مقتلة عظيمه واصاب غنائم جسيمه فلما راى جساس ضعف حاله وقتل فرسانه فولى يطلب الهرب خوفا من العطب وتبعه فرسان وقد ابصروا ان ذلك اليوم العجيب من قتال بني تغلب فرجع عنهم الزير وهو حزنان على فقد ابن اخته الامير شيبون فنزل في الصيوان مع الامراء والاعيان ولم يكن له داب الا البكاء والانتحاب ولما اتى وجلس وانشد هذه الابيات وهو من الحزن على آخر نفس :
الزير انشد شعرا من ضمايره العز بالسيف ليس العز بالمال
شيبون ارسل نهار الحرب يطلبني يريد حربي وقتلي دون ابطال
نصحته عن قتالي ولم يطاوعني بارزته فتجندل في الارض بالحال
المال يبني بيوتا لاعماد لها والفقر يهدم بيوت العز الغالي
دع المقادير تجري في أعنتها ولا تبيتن الا خالي البالي
مابين لحظه عين انت راقبها يغير الله من حال الى حال
فكن مع الناس كالميزان معتدلا ولاتقولن ذا عمي وذا خالي
عم الذي انت مغرور بنعمه خال الذي انت من اضراره خال
لايقطع الراس الا من يركبه ولاتريد المنايا كثرة المال
( قال الراوي ) فلما فرغ الزير من كلامه وانطرح على فراشه من شدة حزنه على ابن اخته ولما بلغ قتل شيبون ابوه همام وامه ضباع احترق قلبها عليه لانه كان ابنها الوحيد بعد اخيه شيبان وكانت الفرسان قد اتت بجثته اليهما فبكياء بكاء شديدا ومزقا عليه الثياب وبعد ذلك دفنوه في التراب وفي اليوم الثاني ركب الامير لقتال الزير وتبعه جساس وباقي الابطال والفرسان وبلغ المهلهل الخبر فركب في ابطاله وفرسانه ولما التقى الفريقان وتقاتل الجمعان برز الامير همام الى معركة الصدام وطلب براز الزير المهلهل وكان قد غير صفاته ووضع لثاما على وجهه حتى لا يعرفه احد فبرز اليه وهو لايعلم بأنه الامير همام فاقتتلا ساعة من الزمان وكان همام قد ضرب الزير بالحسام قاصدا ان يسقيه كأس الحمام فخلى الزير منها فراحت خائبه فهجم عليه وطعنه بالرمح في صدره خرج يلمع من ظهره فوقع عن ظهر الجواد كأنه طود من الاطواد فالتقت على الزير وقال له وهو على آخر رمق آه يا مهلهل لقد قتلت ابن اختك نهار امس واليوم تقتل صهرك همام قال نعم قال ماعاهدتني انك لاتقاتلني ابدا واننا نكون اصحاب على طول المدى فلماذا خاطرت بنفسك وطلبت قتالي وانت تعلم بأنك لست من رجالي فقال لقد جرى القلم بما حكم فانقضت حياتي ودنت وفاتي وهذا الامر مقدر بأمر رب البشر ومادام الامر كذلك يا فارس المعارك فكف اذاك ودواهيك واجعلني فدى اخيك فقال والله يعز على فقدك ولاعاد يطيب لي عيش من بعدك لكنني لا أكف الحرب والصدام حتى لايبقى من بني بكر شيخ ولا غلام ثم انه من بعد هذا الكلام هجم على المواكب ففرقها وطعن في أبطالها فمزقها فتأخرت عنه الفرسان ورجعت الى الاوطان وهي في حالة الذل والهوان ولما بلغ ضباع قتل بعلها غابت عن عقلها وقد عظم مصابها وسارت الى بني تغلب ودخلت على أخيها الزير وقلبها يلتهب وقالت له بكلام الغضب هكذا تفعل ياأخبث العرب تقتل اولادي وبعلي وتحرمني أهلي وتتركني حزينه طول الدهر أقاسي الذل والقهر هكذا تكون الاخوان الذين يدعون الفضل والاحسان فوحق الاله القادر الفاحص القلوب والضمائر ان موتى الذ عندي من الحياة وافضل فانت نسيت الجميل والمعروف وقابلتني بالغدر والمتلوف بعد ان اخلصتك من الحريق وكشفت عنك ذلك الضيق فلما سمع الزير منها ذلك الخطاب اظهر الحزن والاكتئاب وتلقاها بالاكرام والترحاب ثم اعتذر لها بالغلط واخذ يطيب خاطرها ويعزيها عما فرط وامرها بأن تسكن عنده بخدمها وحواشيها فامتثلت كلامه وقامت في بيت أخيها .
( قال الراوي ) فلما عظم الامر على جساس وبني بكر وكثرت فيها السبي والقتل ارسلوا يستنجدون اهل اليمامه فأمدوهم برجل منهم يقال له الفند بن سهل ( الحارث ابن عباد ) وكان من جبابرة الزمان وفرسان الاوان لايبالي بالاهوال ولايخاف كثرة الرجال وكان يلقي نفسه على المخاطر ويصيد الكواسر فسار الى مساعدة القوم من ذلك اليوم وقد انتخب من الشجعان سبعون فارسا مثل العقبان يقاربون في الشجاعة والفروسيه والهمه العليا وكانت اهله قد كتبت اليهم تقول قد امددناكم بعشرة آلاف فارس من الفحول وبهم تنالوا من أعداءكم القصد والمأمول فلما قدموا الى تلك الاوطان وراهم جساس وباقي الابطال فاعتراهم الانذهال لانهم لم يروا اكثر من سبعين تحت رايه الفند الاسد العربند فقالوا اين جماعتك الباقين فقال الفند انا بسبعة آلاف فارس واصحابي ثلاثة الاف مداعس فتبسموا من هذا الكلام والتقوهم بالاكرام والاحترام فذبحوا النوق والاغنام ونصبوا لهم المضارب والخيام ثم استعدوا للحرب وسمع بهم المهلهل وتزيد في الخيل والرجال وزحف من يومه في فرسان قومه فالتقته بني بكر في مكان يدعي عقبة الريحان فلما اقترب العسكران قال الحارس بن عباد وكان من الفرسان الاجواد الى جساس قائد القواد هل تطيعني ايها الامير فيما اقول واشير فقال قل مابدا لك فاني لاأخاف مقالك قال أعلم ان القوم مستخفين بقتالنا وذلك لضعفنا وقلة عدد رجالنا فقاتلهم بالنساء مع الرجال فتبلغ منهم القصد والامال فقال جساس وقد اعتراه الانذهال مامعنى وكيف قتال النساء مع الرجال قال انك تحلق رؤوس الفرسان وتجمع النسوان اللواتي اتصفن بالشجاعه وقوة الجنان فتحملهن الماء بالقرب وتعطي كل منهن مطرقه من خشب وتصفهن خلف الرجال وقت الحرب والقتال فان هذا المجال يزيد الابطال نشاطا في ساحة المجال فإذا خرج منكم احد الناس يعرفنه من حلق رأسه فتسقيه الماء فينعشه واذا مررن بعدوكم عرفته فتقتله فاستصوب جساس هذا الراي واستحسنه وفي عاجل الحال جمع النساء والرجال وعرض عليهم هذا الحال فاجابوا امره بالامتثال ولم يبق يومئذ من بكر احد الاحلق واستعد الا رجلا من الفرسان اسمه ربيعه بن مروان كان زميما قصيرا فارسا حطيرا فقال ياقوم زميم قصير واذا حلقت راسي اصير معير عند الكبي والصغير فدعوني من هذا ياسيدات العرب فانا ابلغكم الارب واقتل خمسه فوارس من تغلب فاجابوة الى ما طلب .
(قال الراوي )ولما التقت العساكر بالعساكر وتضاربت السيوف والخناجر ونقللبت تغلب على بكر كليوث الاجام والهبوهم بضرب السيوف على الهام فارتدت بنو بكر طالبه الانهزام فاشهر جساس في يده الحسام وصاح فيهم بصوت كالرعد والغمام وقال يا ويلكم ارجعوا وقاتلوا بقوه وعزيمه فاجتمعت بنو بكر بعد الانقلاب الى الحرب والقتال وضموا خيولهم في كتيبه واحده وطلبوا المكافحه والمجادله وصاح الفند بن سهل والقى نفسه على القتال وهو ينخي الابطال ويصيح على الرجال ففرق الواكب واظهر بقتاله العجائب .
فلما راى المهلهل افعاله برز اليه وطلب قتاله فالتقاه الفند بقلب كالحديد وهجم عليه هجوم الصناديد وما زال في قتال شديد وحرب ما عليه مزيد الى ان صارت وقت الزوال فتوقها على الحرب والقتال وافترقت العساكر عن بعضها البعض ونزلت في جوانب تلك الارض .
) قال الراوي ) وكان ربيعه لم يلحق راسه من ضرب السيوف وطعن الرماح فوقع طريحا بين القتلى على وجه الفلا فمرت عليه نساء بني بكر فوجدته ذات لمه طويله فحسبته من بني تغلب فضربته بالمطارق حتى اوردته موارد العطب فضربت به الامثال وتحدثت به السنه الرجال .
( قال الراوي ) ولما اصبح الصباح واشرق بنوره ولاح وركبت الفوارس ظهور الخيول واعتقلوا بالسيوف والنصول وتقدموا الى ساحه الميدان بالضرب والطعان وكان المهلهل في الجحفل كانه قله من قلل او قطعه فصلت من ذيل جبل فصاح وحمل على جيوش الاعداء كليث الاجام وضرب فيهم بالحسام وتبعه امرؤ القيس بن اياد وكان صنديد واشتد بين الفريقين القتال وكثر القيل والقال وتقطعت الاوصال وجرى الدم وسال وكان يوما شديد الاهوال لم يسمع بمثله في الاجيال كثر فيه القتال والجراح وتمددت على وجه البطاح وارتجت تلارض من قعقعة السلاح وصهيل الحيل وهول الكفاح وكان الفند قد حمل مواكب المهلهل وقاتل حتى استقتل وفعلت فرسانه مثلما فعل وبذل جساس في ذلبك اليوم غايه الجهود وهجم بقومه على الريات والبنود هجوم كواسر الاسود واشتد على المهلهل القتال واحاطت به الاعداء من اليمن والشمال وهو يقاتل ويمانع وينصح رجاله على الثبات ويدافع حتى جرح في ثلاثه مواضع .فلما زادت عليه الحال وازدحمت حوله الرجال تاحر عن ساحه المجال خوفا من الهلاك والوبال وانكسرت بنو تغلب في ذلك النهار اشد انكسار وتفرقت في البراري والقفار واستظهرت بنو بكر غايه الاستظهار وقتلت الشجعان امرؤ القيس بن اياد وكان من الاعيان صيته محمود مشكور وهو غير امرؤ القيس الشاعر المشهور فبكى المهلهل عليه وكان يحبه ويميل اليه ورجعت بنو بكر الي الديار وهي بغايه الفرح والاستبشار على ذلك الفعال .
( قال الراوي ) اما المهلهل فقد زاد حنقه على بني بكر وبات تلك الليله على مقالي الجمر ثم جمع الفرسان والابطال وتجهز للحرب والقتال فالتقه بنو بكر بقلوب كالجبال وجرت بينهم وقائع واهوال لم يسمع بمثلها في سالف الاجيال واستمر الحال على هذا المنوال مده عشرايام وكان المهلهل قد انتصر في اكثر الوقائع جماعه كثيره من الفرسان المعامع ولما كثر بين الفريقينالقتل واتفقوا على توقيف الحرب مده شهرين فافترقبت الفوارس عن بعضها ونزلت كل فرقه بارضها (قال الراوي ) ولما قتل كليب كما تقدم الكلام كانت زوجته الجليله حامله بهذا الغلام فلما طردها الزير الي بيت ابيها وسكنت عند جساس اخيها فولدت غلاما فسمته الهجرس ولقبوه الناس بالجرو فكانت مع اخواله بني مره واولادهم وكان خاله يحسن ويشفق عليه وكان الغلام قد احب حاله الامير جساس دون باقي الناس فلا يدعوه الا ابا ونشا الغلام ذا عقل وادب وهو محبوب من جميع العرب لفصاحته وبرتعته وقوته وشجاعته فكان يركب ظهور الحيل ويتعلم عليها الفروسيه في النهار والليل فبرع واشتهر على شباب القبيله افتخر فلما بلغ عمره حمسه عشره عاما زاد شهره وارتفع مقاما فراه جساس في بعض الايام وهو كانه ليث الاجام والشر طائر من عينيه ولا يقدر احد عليه فانذهل واندهش وخاف منه
وارتعش وكان كثيرا ما يتامل في امره ويخاف من سطوته وشره لانه قتل اباه بالامس وتركه يتيما طول الدهر .
( قال الراوي ) اتفق ذات يوم ان الحرو ركب في جماعه من الشبان واخذوا يتعاطون بالجريد في الميدان وكان من جمله الغلمان عجيب ابن الامير جساس وكان شديد الباس فطعن عجيب الجرو طعنه فمال عنها فراحت خائبه ثم ان الجرو تقدم نحو عجيب وطعنه بجر يده اصابته فالتقه عن ظهر الجواد الى الارض فنهض غضبانا فشتم الجرو واهانه بالكلام وقال اهكذا تفعل يا ابن اللئام بابناء السادات الكرام يهدد بهذا الشعر .
يقول عجيب من قلب موجع الا يا رفقتي حالي عجيب
ضربني الجرو منه جريده فارماني وصيرني كثيب
ولم يعلم باني خير ماجد ولد جساس قوم مستهيب
لولا عمتي لقطعت راسه واطرحه على العبرا قليب
فهذا ولد كليب الاعادي ولا ضد الكلاب الا القصيب
دعوه يروح عنا لايماطل ويذهب سرعه قبل المغيب
(قال الراوي ) فلنا فرغ عجيب من شعره ونظامه وفهم الجرو فحوى كلامه اجابه على شعره يقول :
يقول الجرو اسمع يا ابن خالي كلامه ليس يسمعه اديب
تقول اليوم تقتلني بسيفك وتتركني على الغبرا قليب
اذا ابصرتني يوما فريدا فقتلني بسيفك ياعجيب
فا نزل عن جوادك يا ابن خالي وافعل ما تريده عن قريب
وافعل ماتريده اليوم فينا فاني لااخافك ياعجيب
( قال الراوي ) فلما فرغ الجرو من كلامه واذا بسلطان اخو جساس اقبل عليهما في ذلك الوقت فوجد الدم يسيل من ابن اخيه جساس فلما علم بواقغه الحال اغتاظ غيظا شديد وشتم الجرو وقال والله لولا كرامه امك لقطعت راسك واخمدت انفاسك فقال ياخال ها انا بين يديك فافعل ما تريد ثم هطلت عيناه بالدموع وتنهد من فؤاد موجوع وسار الى عند امه واعلمها بما جرى وكان يطلب منها الرحيل من ذلك الاوطان فتكدرت امه واجابته الى ذلك لشان ثم انهما صبرا حتى اظلم الليل فتركا المضارب والخيام وسارا تحت جنح الظلام في جماعه من العبيد والخدام وجدا في قطع البراري والاكام مسافه عشره ايام واتفق في اليو الحادي عشر انهما التقيا بشيخ في ذلك البر الافقر وهو يقطع البر الفسيح على الفرس تسابق الريح وكان بمعيته عشره ابطال من صناديد الرجال وكان قد خرج لصيد الوحوش والغزلان وهو راجع الى الاوطان فتقدم الجرو اليه وسلم عليه فرد الشيخ سلامه وقال له ايها الفتى الماجد من اين اتيت والى اين قاصد فقال طردوني اهلي وربيت يتيم وانا طالب انسان كريم حتى التجىء اليه واقيم عنده فقال الشيخ اذا كان الامر كما تقول فشرفني الى اطلالي فانا افديك بروحي ومالي واشار اليه يقول :
يقول الامير منجد من قصيد الايا قاصدا نبيل المارب
فشرف منزلي وامر عبيدك يرون الاعر والجنائب
بكم قد حلت البركه علينا يرون الاعر والجنائب
فمثلي ما تلاقوا اين سرتم وعندي تبغلوا كل المطالب
انا مسجد فمن نسل الاكارم ابي وائل وما فينا معاقب
الوف الوف تخدمني وتخضع لامري في المشارق والمغارب
وانت بقيت بعد اليوم ابني ولست اليوم في قولي بكاذب
( قال الراوي ) وكان هذا الشيخ اسمه منجد بن الامير وائل وهو خال كليب والزير البطل الحلاحل وقد كنا ذكرنا عنه في اول الكلام بانه بعد قتل كليب استخدم مع اخوته الثلاثه عند التبع في بلاد الشام ولما قتل التبع ولى هرب وسكن في اخر بلاد العرب خوفا من كليب ان يقتله كما قتل اخوته لانه يبغضه دون اهله وعشيرته فلما فرغ النجد من شعره ونظامه وفهم الجرو فحوى كلامه فرح واستبشر ورجع الى عند امه على الاثر واعلمها بما جراى وكان ثم انهم ساروا معه الى الاوطان ونصبوا المضارب والخيام فاكرمهم منجد غايه الاكرام وانزلهم اعز مقام وكان لمنجد المذكور عشره اولاد من الذكور كانهم البدور فالفوا الجرو واحبوه وكانوا لايفارقوه وكانت امه الجليله قدالامير منجد حق المعرفه ولكنها كتمت الامر عن زيد وعمر خوفا من العواقب وطول النوائب فاجتمعت بابنها الجرو فقال اذا سالك عن اسمك فقل اسمي الهجرس ولاتقول الجرو فقال ان الاسمين واحد فما هو مرادك ذبلك فقالت ان يكون الهجرس كلب الصياد فانه اصلح من الجرو ابن الكلب وانت امير وابوك كان من الفرسان المشاهير ومن ذلك اليوم تسمى الهجرس وغلب هذا اللقب بين العرب وكانت امه في قلق عظيم خوفا عليه فاجتمعت ذات يوم بشيخ عبيدها وكان اسمه صباح واشارت تقول من فؤاد متبول :
تقول الجليله بدمع سجام ايا صبح اسمع الكلام
فهذا الشيخ الذي تراه مكيد الاعادي بضرب الحسام
يسمى منجد صميدع عنيد ولد وائل وافي الزمام
فهو امير وابن امير وحوله عساكر كثيره كفيض الغمام
فهذا حال كليب الامير مع سالم الزير قوم همام
فهو خالهم قد عرفته سريع ميكدا الاعادي بضرب الحسام وهوخال زوجي لكن عدو كيف العمل الان صرنا نضام
واصل العداوه كليب الامير قتل اخوته في دمشق الشام
قتل اليمامه واخذ ثار ابوها واهلك اخوه منجد وشام
ونحن الان نزلنا عليه عرفته وقد اعتراني سقام
اني اخاف على ابني حقيق يهنيه ويدعى دمه سجام
عدوك اياك تركن اليه ولو انه سقاك المدام
(قال الراوي) فلما فرغت من شعرها ونظامها فهم صبيح فحوى كلامها قال اين نتوجه الان وقد صار لنا مده من الزمان والصواب ان تكتم امرنا على كل انسان حتى يفرجها علينا الرحمن الرحيم واستمروا مده طويله في تلك القبيله وهم عز واقبال وارغدعيش واحسن حال الى ان كان في بعض الايام اغار على الامير منجد بعض الملوك العربان في ثمانين الف عنان فالتقاه منجد بعسكر جرار فانكسر عده مرات حتى ال مره الى الدمار .
فلما شاهد الجرو تلك الاحوال وما وقع بمنجد من الاهوال برز الى ساحه المجال وقاتل الشجعان والابطال واظهر الغرائب والعجائب ففرق الصفوف والمواكب وكسر ذلك الشمس والقمر وفعل فعالا تبقى وتذكر وما دامت الشمس والقمر وعند رجوعه من القتال بالنصر والاقبال وشكره منجد على تلك الفعال قال له مثلك تكون الرجال فو الله لقد حميت الحريم طردت الغريم وخلدت لك ذكرا جميلا على طول الدوام وعند وصولهما سرايه الاحكام وجلوسهما في الديوان قال منجد بحضور السادات والاعيان مثلك تكون الفرسان فاعلمني عن حسبك ونسبك ومن يكون قومك فلما سمع الجرو فحوى كلامه اجابه بهذا القصيدا :
يا فخر ماجد في الرجال فاسمع ياملك فحوى كلامي
انا اسمي اليتيم يا مسمى ولااعرف ابي ولااخوالي
واني قد سالت امي مرارا فتسكت لاترد الى سؤالي
تقول ابوك شاليش بن مره قتله الزير في يوم النزال
فاطلب من اله العرش ربي لاخذ الثار منه بالقتال
(قال الراوي ) فلما فرغ الهجرس من كلامه زاد منجد فب احترامه ونهض على الاقدام واعتقه امام السادات الكرام وقال لهانت من بني مره اصحاب الشجاعه والقدره فعربك من عربي ونسبك من بسبي فو الله ما ضاع نظري فيك فاطلب من الله ان يحفظك ويبقيك وينصرك على جميع حسادك واعاديك من ذلك الوقت زاد في اكرامه ورفع مقامه على الكبار والصغار وكان لمنجد بنت بديعه الجمال متصفه بالاداب والكمال كانها هلال ذات عقل ثاقب وراي صائب لايوجد مثلها في العرب والاعاجم اسمها بدرباسم فزوجه اياها وتمتع الجرو بحسنها واقام في ارغد يش واحسن حال وهو يحكم على تلك الاطلال وقد احبته جميع الرجال .
(قال الراوي ) هذا ما كان من الهجرس والجليله وما جرى لهما في تلك القبيله واما جساس فانه بعد رحيل اخته من الديار زادت به الاكدار وكان كثيرا ما يتذكرها في الليل والنهار فاتفق في بعض الايام بينما هو جالس في الخيام دخل عليه بعض الشعلراء فسلم عليه وعلى باقي الامراء واخذ يمدحه بهذا السعر والنظام على ماجرت به العاده في تلك الايام :
قال جابر في بيون صادق انت ياجساس رب المكرمات
سمعت بصيتك انا يا ذا الامير في الكرم والجود يا فخر الذوات
انت ملك البلاد جميعها حاكما في الارض من كل الجهات
قاتل الضد في يوم الوغا مكرم للضيف سنه المحملات
انت ياجساس ملك البلاد مع اخوتك وشقايقك السيدات والسادة: لولاكم ماكنت جيت لارضكم ماكنت فارقت العيال مع البنات
وتركت اختي يا ملك اولادها وزوج اختي يا ملك ذا العام مات
اولاد اختي سبعه ذكور عند اولادي واهلي تبات
جور هذا الدهر في الدنيا عجيب كم له في كل يوم تقلبات
(قال الراوي ) فلما فرغ جابر من شعره ونظامه وفهم جساس فحوى كلامه امر له بالف دينار واعتبره غايه الاعتبار ثم التفت اليه اخوه سلطان وقال له امام السادات والاعيان
اسمعت كلام هذا الشاعر الذي يدور في القبائل والعشائر ويمدح السادات والاكابر املا في المكاسب وبلوغ المارب كيف انه ذكر اخته في شعره ولم ينسها طول دهره فكيف نحن نكون سلاطين الزمان وملوك العصر ولاوان اختنا ان تغضب منا وتبعد ولانعلم الى اين ذهبت واي قبيله طلبت فماذا تقول عنا دول الممالك اذا سمعت عنا ذلك فمن الواجب ان نقتفي اخبارها الان ونعيدها معزوزوة الى الاوطان ثم انه بكى امام جلسائه وبكت اخوته وندم سلطان على ما فعل واستعظم ذلك العمل ثم التفت جساس الشاعر وقال له انت تطوف حلل العرب ونمدح الملوك واص
حاب الرتب فاريد ان تستقصي لي عن اخبار الجرو
وتعلمني الى أي حله قصدوا وعن اسم القبيله فان اتيتني بصحه الخبر بلغتك القصد والوطر فاجابه الشاعر وامتثل ثم سار على عجل يطوف القبائل والحلل ويستقصب عنها الاخبار من الكبار والصغار حتى سمع بخبرهما ووقف على حقيقه امرهما فقصدهما الى ذلك المكان واجمتع بهما في الصيوان وحدثهما بما سمع في حقهما من جساس وسلطان
ثم اشار يمدح الجرو ويقول وهو فرحان على بلوغ القصد :
يقول جبر من قلب حزين فدمعي سال من وسط الاماق
ادور على القبائل والعشلئر لاحظى بالمكاسب والنياق
فاصغى يا امير الى كلامي فانت اجل فرسان السباق
فصيتك شاع في كل القبائل فمن يمن الي ارض العراق
وما لك في البريا من شبيه ونجمك فاق سام المجد راق
سالت الله ان يحفظ جيالك على طول المدى والدهر باق
رحنا من حماه لعند خالك ملك جساس سلطان الافاق
فأهدانا وقام انعم علينا وقلبه من بعادك باحتراق
وارسلني لآ كشف اين انتم ليحظى فيكم من بعد الفراق
(قال الراوي ) وكانت الجليله تسمع هذا الشعر وهي خلف الحجاب واستر فما هان عليها ان تسمع بذكر اخوتها كانوا الذين سببا لغربتها وفرقتها من حلها فأمرت كبير العبيد أن يوقف عن اتمام القصيد وان يكتم خبرهما عن هذا ذاك خوفا من الفضيحه والانهاك ثم امرت له بالف دينار واعطاه الجرو مثل ذلك المقدار ففرح الشاعر واستبشر ورجع على الاثر واعلم جساس بذلك الخبر فأرسل في الحال اخوه سلطان في جماعه من الابطال
لياتوا باخته الجليله وابنها الجرو من تلك االاطلال فلما اقترب سلطان الى تلك الاوطان ارسل بعض الفرسان ليعلم منجد بقدومه الى اوطانه فخرج في الحال في جماعه من فرسانه فألتقاه احسن ملتقى لانهم كانوا اقارب واصدقاء وانزله في سرايه الاحكام وذبح
له النوق والاغنام واكرمه غايه الاكرام وفي ثاني الايام اجتمع سلطان باخته الجليله وولدها الجرو واعتذر لهما بما فرط منه وطلب منهما الرجوع الي الديار وشدد عليهما في ذلك غايه التشديد فأجابه الي ماطلب واعلم الجروالامير منجد بانه يريد الرجوع الي اهله وعشيرته مع امه وزوجته ومن يلوذ به من جماعته لان نفسه أشتاقت الي الوطن فقال منجد والله يا امير يعز علينا فراقك ولا زالت ارواحنا في كل وقت تشتاقك ولكننا لانقدر ان نمنعك عن اهلك واصحابك وبني عمك واحبابك ثم اعطاه مائه ناقه محمله نفائس الاقمشه والذ خائر ومائه جواد وغير ذلك من المعادنوالجواهر ومائه عبد ومائه جاريه واركب ابنته زوجة الهجرس على هودج كبير وسار لوداعهم مسافة نصف يوم ثم رجع الى الديار وسار الهجرس مع امه وزجته يقطعون القفار حتى وصلوا الي منازل بني مرة فالتقاهم جساس بالفرح والمسره وامر بذبح الذباح واطعام الغادي والرائح واشار الى الجرو يقول :
لماقال الفتى جساس صادق ايا مرحبا بك يا ابن اختي
ففيكم حلت البركه علينا وضاء الحي في قربك الينا
وامك يافتى عيني وروحي وعمرك ياجليله مافرحت
فا ابنك غدا كالسبع الكاسر فان الجرو للاعداء كاسر
بيوم الحرب والاهوال كاسر اله العرش يرجعه ظافر
فلا تعتب على سلطان خالك ولاقوله يخطر قط بيالك
فلا ابني ولانحن مثالك انا ساحكمك من فوق تختي
انا ابكي على المرحوم ابيك قتله الزير في ربعك وحيك
فقم واركب يروح خالك واخذ من المهلهل ثارك
سالتك الله ان تأخذ بثارك بقتله تكشف عنك عارك
مرادي تقتله وتأخذ بثارك وتحرقه بنارك يا ابن اختي
( قال الراوي ) فلما فرغ جساس من شعره ونظامه وتبسم الجرو من كلامه قال له كن مطمئن الخاطر يا خال هذا ما كان من الجرو وجساس واما الزير الفارس الدعاس فانه بينما كان راقد ذات ليله اذ راى في منامه ولذيذ احلامه اخاه الامير كليب وهو يعاتبه بهذه الابيات على اخذ الثار وكشف العار ويقول وعمر السامعين يطول :
تنام الليل كله يا مهلهل وثاري ما قدرت علي وفاه
وعظمي ذاب حتى صار كحلا وجساس بن مره في الحياه
فأجابه الزير يقول :
امير كليب ما قصرت يوماً بأخذ الثار من قوم البغاة
فقم اسال بناتك يا حبيبي على طعني وضربي با لعداة
(قال الراوي ) فاسيقظت بنات كليب من المنام وايقظن عمهن بهذا الشعر والنظام :
يقولون اليتامى يا مهلهل أتانا كليب يستنجد اخاه
كليب قام من وسط المقادير وصار كليب في وسط الحياه
(قال الراوي ) كان الزير قد استيقظ من منامه فأرىالبنات حوا ليه فقال لهن رايت اباكم في المنام ثم حدثهن بما سمعه وراة بالكمال والتمام فبكين بكاء شديدا فقال الزير ان هذا المنام بدل على عجب وحادث يقع عن قريب فاستدعا بعض الرمالين اليه وقص ذلك المنام عليه فضرب الرمل الرمال ورسم الاشكال وولد البنات من الامهات حتى عرف حقيقة الخبر فقال له لك البشرى يا فارس الصدام فان جساس سوف يقتل من بعد ايام وذلك من يد شخص يظهر من لحمك ودمك واشار يقول :
يقول بشير اسمع يامهلهل ايا سالم فابشر زال همك
اتاك النصر من رب البريا انه العرش من خيرات عمك
وقد ظهر رسول الرمل عندي سيظهر شخص من لحمك ودمك
فيقتل في الوغا جساس حالا وانت ترجه ويزول همك
وتهلك بعده ا ولاد مره وستقيهم جميعا كاس سمك
( قال الراوي ) فلما سمع المهلهل هذا الشعر من الرمال فرح واستبشر وقال له انتم ذلك الكلام ابشر مني ببلوغ المرام ثم انه احسن اليه ووعده بكل جميل ولما اصبح الصباح واشرق بنوره ولاح ركب المهلهل الى الحرب والكفاح وتبعه الابطال والفرسان وركب ايضا الامير جساس بالرجال واشجعان وقتتلوا طول ذلك النهار وقتل المهلهل منهم عدد
كثير المقدار وما زالوا في اشد القتال الي ان دقوا الطبول الانفصال فافترقت الطوائف
عن بعضها ونزلت كل فرقه في ارضها واما الهجرس فانه لم يركب مع جساس في ذلك اليوم فاجتمع جساس باخته الجليله في المساء وقال لها ان ابنك لم يقاتل معنا ولا نعلم ما هو السبب فا ساليه واعلميني بما يقول فسالته امه عن عدم خروجه الى حرب فقال له اعلمي يا اماه انه لايلقاني في قتال الزير سوى حصان خال جساس الاخرج ان وهبني اياه فانا اعطيه عوضه راس المهلهل فان قبل بهذا الطلب بلغته غايه الارب فرجعت الجليله على الاثر واعلمت اخاها جساس بهذا الخبر فوهب الحصان وقال له ان قتلت هذا الشيطان تكون علينا ملك ونحن لك غلمانا واعوانا ففرح الجرو بذلك وضمن لجسا س قتل الزير اما الفرسان القواد ولما اصبح الصباح واضاء بنورة ولاح ركب الجرو الحصان المذكور وتبعه كل فارس مشهور وكان الزير قد ركب وطلب براز فرسان وقال اين جساس الجبان فليبرز الى الميدان فبرز الجرو اليه وهجم عليه واشار يقول وعمر السامعين يطول :
يقول الهجرس يا مهلهل ان عزرائيل اقبل
اين تعدى اليوم مني سوف تلقاني وتقتل
اني كمن قد جاك لاتحسبني بظنك
( قال الراوي) فلما فرغ الهجرس من شعره حمل عليه وكان المهلهل قد مال قلبه اليه وتحركت جميع اعضائه وكان الزير يبطل مضاربه بحسن اختياره ولا كان قلبه يطاوعه على قتله ودماره وما زال على تلك الحال وهما في عراك وقتال الى ان دقت طبول الانفصال وعاد العسكران عن ساحه المجال ورجع المهلهل الى الاطلال واجتمع ببنات اخيه كليب واعلمهن بحديث الغلام وما جرى بينهما في معركه الصدام وكيف انه اشبه الناس بابيهما كليب في الصوره والقتال ثم قال لليمامه اعلميني هل كانت امك الجليله حامله لما ذهبت الى بيت ابيها فقالت نعم ياعمي كان لها نحو شهرين ولكن ماهو معنى هذا السوال فانشد وقال :
يقول الزير ابو ليلى المهلهل مربع الخيل انتصدت الينا
يمامه اسمعي مني كلامي ايا ست الملاح المحسنينا
برزت اليوم للميدان حتى اقاتل ال مره اجمعينا
فبارزني غلام غريب منهم له عزم كما الصخر المينا
كمثل اباكم وجها وحربا فذكرني ليالي الماضينا
فقد قاتلته في كل لطف وهو يطعن طعان القاتلينا
فحملاته وطعانه قويه تقد الصخر والزرد المتيينا
فلماانتهى من شعره اجابته اليمامه تقول :
الايا عم اسمع ما اقوله لتفهم سالم الخبر اليقينا
فامي حامله من يوم راحت وحق الله رب العالمينا
ولست ادري ايش جابت ابنت ام غلام يا فطينا
ثلاثه اشارات لي في كليب اشارات بعقلي راسخينا
ركب يوما بقرب النوم مره وقال ايا يمامه انظرينا
من التفاح اعطاني ثلاثه وقال بذي الثلاثه تضربينا
فانكسوف تحتاجي اليهم اذا ظهر لناحقا بنونا
ضربته بواحده يا عم راحت بضرب رقابه راحت طحينا
وثاني واحده في رمحه وثالثهم خطفها باليمينا
غدا انزل واضربه ثلاثه كفل ابي ايا عمي الحنونا
يكون اخي اذا سوى نظره وان خالف يكون غريب فينا
عسى الله يدركنا بلطفه وينصرنا اله العالمي
نا ( قال الراوي ) فلما فرغت اليمامه من شعرها ونظامها وعمها يسمع فحوى كلاهما قال لها فعل ابوك ذلك قالت قبل موته بشهرين عندما كنت بير السباع وقد صممت الان ان ارافقك الى الميدان واضربه بالتفاح في ساحه الكفاح وان افعل كما فعل ابي يكون لاشك اخي وبه ابلغ اربي .