بروتاغوراس ( 480 -410):
ولد في أبديرا, وعرف فيلسوفها الكبير ديموقريطس, وبعد أن طاف أنحاء ايطاليا الجنوبية واليونان يلقي فيها الخطب البليغة, قدم إلى أثينا ولكن لم تطل اقامته فيها لأنه كان قد نشر كتاباً اسماه "الحقيقة" و جاءت في مقدمة هذا الكتاب هذه العبارة: "لا أستطيع أن أعلم إن كان الآلهة موجودين أم غير موجودين, فإن أموراً كثيرة تحول بيني وبين هذا العلم, أخصها غموض المسألة وقصر الحياة" فاتهم على إثر ذلك بالالحاد, وحكم عليه بالاعدام, وأحرقت كتبه علناً. ففر هارباً, ومات غرقاً في أثناء فراره.
هناك عبارة أخرى له جاءت في هذا الكتاب وهي:"الانسان مقياس الأشياء جميعاً. هو مقياس وجود ما يوجد منها, ومقياس لاوجود ما لايوجد."
وقد شرحها أفلاطون بشكل مطول ولكن سأحاول أن أعطي المفهوم الوزيري لها: أن الأشياء هي بالنسبة إليّ على ما تبدو لي, وهي بالنسبة إليك على ما تبدو لك, وأنت انسان و أنا انسان. إذن لا يوجد شيء هو واحد في ذاته وبذاته, ولا يوجد شيء يمكن أن يسمى أو أن يوصف بالضبط... لأن كل شيء في تحول مستمر. فما نحسه فهو موجود على النحو الذي نحسه, وما ليس في حسنا فهو غير موجود, وعلى ذلك تبطل الحقيقة المطلقة, لتحل محلها حقائق متعددة بتعدد الأشخاص.
غورغياس (480 - 375)
ولد في ليونتيوم, و تتلمذ على يد أنبادوقليس, واشتغل بالطبيعيات. و اهتم باللغة و البيان, فكان أفصح زمانه وأبلغهم. جاء إلى أثينا يطلب العون لمدينته على أهل سراقوصة, فأعجب الناس بأثينا ببلاغته. يصوره أفلاطون في الحوار المعنون باسمه على أنه مفاخرا بمقدرته على الاجابة عن أي سؤال يلقى عليه. مات في تساليا وقد قاربت سنه المائة أو جاوزتها, وعظم صيته, وضخمت ثروته.
وضع كتاباً في اللاوجود قد به إلى التمثيل لفنه و الاعلان عن مقدرته بالرد على الايليين و التفوق عليهم في الجدال. ويمكن تلخيص أقواله في قضايا ثلاث:
1- لايوجد شيء.
2- إذا كان هناك شيء فالانسان قاصر عن ادراكه.
3- إذا فرضنا أن انساناً أدركه فلن يستطيع أن يبلغه لغيره من الناس.
وشرح عباراته بالشكل التالي:
بالنسبة للعبارة الأولى: اللاوجود غير موجود من حيث أنه لاوجود و الوجود غير موجود كذلك, فإن هذا الوجود اما أن يكون قديماً أو حادثاً؛ فإن كان قديماً فهذا يعني أنه ليس مبدأ, وأنه لامتناه. أما إن كان حادثاً, فإما أن يكون قد حدث بفعل شيء موجود أو بفعل شيء غير موجود.
أما العبارة الثانية: لكي نعرف وجود الأشياء يجب أن يكون بين تصوراتنا وبين الأشياء علاقة ضرورية هي علاقة المعلوم بالعلم, بمعنى أن يكون الفكر مطابق للوجود, وأن يوجد الوجود على ما نتصوره, ولكن هذا باطل.
أما العبارة الثالثة: فترجع حجته إلى أن وسيلة التفاهم بين الناس, هي اللغة ولكن ألفاظ اللغة اشارات وضعية و رموز, وليست مشابهة للأشياء المفروض علمها, فكما أن ما هو مدرك بالبصر ليس مدركاً بالسمع, و العكس بالعكس, فإن ما هو موجود خارجاً عنه مغاير للألفاظ, فنحن ننقل للناس ألفاظنا وليس أشياء. فاللغة و الوجود دائرتان متخارجتان.
هذه أمثلة واضحة لعبث السوفسطائيين و جدلهم الذي لا ينتهي. وعلى الرغم من جميع الآثار الإيجابية لهم من اخراج الثقافة من المدارس الفلسفية و نشرها لعامة الناس و من تمهيد الطريق لعلم المنطق و الأخلاق, إلا أنهم كادوا أن يقضوا على الفلسفة لولا الفضل الكبير لسقراط في إنتشال الفلسفة و تدعيم ركائزها.