- الفن: يعد أفلاطون أول من صاغ نظرية في فلسفة الجمال بصرف النظر عن موقعه من الفن ومن الشعر. فهو يرى أن الفن يستند إلى منطق الخيال لا إلى منطق العقل، ومن ثم لا يرقى الفن إلى مستوى العلم القائم على العقل. كما يرى أن الفن قائم على التقليد، وإذا كانت الطبيعة تقليداً لعالم المثل، وكان الفن تقليداً للطبيعة كان الفن تقليداً لتقليد، ومن ثم فإن الفن أدنى من العلم الطبيعي وهذا بدوره أدنى من المتيافيزيقا.
ومن ناحية أخرى إذا كانت الطبيعة صنع الله والصناعة صنع الإنسان وكان الفن تقليداً للصناعة كان فن الفنان أدنى من صنع الانسان.
هذا نقد يتعلق بالفن من حيث صورته أو مقولاته وينبثق من مفهوم أفلاطون لنظرية المثل.
أما الجانب الأخلاقي في الفن فيفسره أفلاطون كما يلي:
يلجأ الفن وخاصة الشعر إلى تزييف حقائق الأشياء وبين الفن والشعر صلة وثيقة، إن الفن شعر صامت كما أن الشعر فن متكلم، وكلاهما يستند إلى فكرة التقليد أو المحاكاة، ولكنكلاً من الفنان والشاعر إذ يقلدان لا يصفان الأشياء كما هي وإنما يضفي كل منهما من ذاته أو من شيطانه ليزيف حقيقة الأشياء مستنداً إلى الخداع، وإنك إن نزعت عن الشعر إيقاعه وأوزانه وقوافيه – وسائل الخداع – لما بدت لك بعد ذلك إلا معان سطحية تافهة بل ولا أخلاقية، لقد سممت أشعار هوميروس عقول اليونان وأفسدت ضمائرهم بما تروي عن الآلهة والأبطال من أخبار الخصومات وقبيح الأفعال وبما لا تفتأ تردده من أن الرجل العادي يعمل لخير غيره وشقاء نفسه مما يوهن عزيمة الانسان عن فعل الخير وبما يثير من شهوات.
يعمل الشعر على اثارة العواطف وشلل العقل وذلك يجعلنا نستحسن ونصفق لما نستنكره في الواقع، ولا يعمل الشاعر بما يقول لا يقود الجيوش ولا يشرع القوانين وإنما يكتفي بتمجيد القواد والحكام.
وأما خداع الفنان أو المصور فإنه يبرزها مشوهة في غير نسبها الحقيقة من حيث الشكل أو المقدار ولا يخدع إلا من بعد ولا ينخدع به إلا الجاهلون.
هكذا نظر أفلاطون إلى الفن والشعر من منظور أخلاقي سياسي فبالغ في إدانتها، ولقد كان يعتبر الشعر كالأسطورة طوراً تجاوز مسار الفكر البشري إلى الفلسفة، تماماً كما تجاوز الفكر الاغريقي في مرحلته الكلاسيكية مضمون أشعار هوميروس.
لقد بلغ أفلاطون بالفلسفة قمة ما بلغته الحضارة الاغريقية لا ينافسه في ذلك إلا تلميذه أرسطو وكان أثره في الفكر بالغاً حتى وإن خالف الناس آراءه في المثل وفي السياسة وفي الفن وربما في الحب أيضاً.