..سقراط .. أرسطو.. وأفلاطون
لماذا الفلسفة الإغريقية؟
تعتبر الفلسفة الإغريقية الأكثر أهمية والأبعد أثراً في تراث الإنسانية وهي من أهم مظاهر لعبقرية الإغريق.
إنها فلسفة الشرق الأدنى منذ فتوحات الاسكندر وهي فلسفة الغرب منذ استولى الرومان على بلاد اليونان، إذ كان للرومان السيادة السياسية بينما كان لليونان السيادة الفكرية، وحينما قامت الأهل الكتابة اصطفت هذه الفلسفة.
فالفكر الأوربي في العصر الوسيط إنما تشكله عقيدة العبرانيين وفكر اليونانيينن، كذلك تأثر بها فلاسفة الإسلام إذ كان شغلهم الشاغل التوفيق بين عقيدة الإسلام وفلسفة اليونان، واذا كان مفكرو الغرب المحدثون يرجعون أصل حضارتهم الحديثة إلى اليونان فإن الفلسفة الحديثة مهما تباينت مذاهبها وتنوعت اتجاهاتها فيمكن أن تلتمس لها بذور أو جذور لدى فلاسفة اليونان بل إن هناك من يذهب إلى أن شتى تيارات الفكر الحديث إنما تتأرجح بين قطبي الفلسفة اليونانية: أفلاطون وأرسطو..
ما هو سر انفراد اليونان بنشأة الفلسفة فيها:
1- ضعف سلطة الدين: فوجود فراغ عقائدي وصورة مهزوزة عن الالهة وأديان لا تشبع ولا ترضي الوجدان أدى إلى ضرورة وجود نتاج فكر يوناني خالص، فكانت الفلسفة التي نشأت لتجيب على تساؤلات الاغريق: كيف نشأ الكون؟ ما هو أصل الانسان؟ ومامصيره بعد الموت؟
إضافة لعدم وجود سلطة كهنوتية تقيد الفكر وتفرض عليه عقائد معينة لا يستطيع الحياد عنها أتاح حرية الفكر ونشأة الفلسفة.
2- النزعة الفردية ونظام دولة المدينة: عاش الإغريق في ظل مدن يكفل استقلالها بعضها عن بعض حرية الحركة، وعن حرية الحركة تلزم حرية الفكر.
السفسطائيون
في الوقت الذي كانت فيه المدارس الفلسفية تنمو خلال القرن الخامس، ظهرت جماعة من الناس كانت بمعنى ما على هامش الفلسفة، هؤلاء هم الذي يُطلق عليهم عادة اسم (السفسطائيين) الذين يشير إليهم سقراط بازدراء، بوصفهم أولئك الذين يجعلون الحجة الأضعف وكأنها هي الأقوى.
كيف ظهرت هذه الحركة وما هي وظيفتها في المجتمع اليوناني:
لم تبلغ الصلة الوثيقة بين الفلسفة وبين المجتمع في اليونان عند مذهب فلسفي كما بلغت لدى السوفسطائية لأنها حركة أظهرتها الظروف السياسية والاجتماعية في القرن الخامس قبل الميلاد، إذ سخر السوفسطائيون الفلسفة للخدمة العامة ولم يروا فيها رأي الأولين من نظر مجرد في الوجود.
لقد وصف شيشرون سقراط بأنه أنزل الفلسفة من السماء وأودعها المدن وأدخلها البيوت وجعلها ضرورية لكل بحث في الحياة والأخلاق، وتلك العبارة تصدق تماماً على السوفسطائيين، لأن سقراط يختلف معهم مذهباً ولكنه لا يختلف معهم في موضوع الفلسفة (الانسان والأخلاق والحياة).
كان الفكر الفلسفي قبل ظهور السفسطائيين متجهاً نحو العالم الخارجي مستغرقاً فيه، فجاء السفسطائيون واتخذوا الانسان وحضارته موضوعاً لهم، وشغلوا بجزئيات الحياة فكان منهجهم واقعياً تجريبياً. بينما شغل الفلاسفة السابقون بالوجود الخارجي ومشكلاته وانتهجوا منهج تأملي جدلي من أجل وضع مبادئ عامة لتفسير الوجود.
فغاية السوفسطائيين كانت عملية إذ يلقنون تلاميذهم ما يعينهم على الحياة. ولا سيما أن الديمقراطية الأثينية قد أوصلت إلى الزعامة أناساً أميين، وزادت القضايا أمام المحاكم وشاع الجدل القانوني والسياسي فنشأت الحاجة إلى تعليم الخطابة وأساليب الجدل واستمالة الجماهير ومن ثم إلى معلمي خطابة أو بلاغة أو بيان أو أي موضوع يتعلق بمشكلات الحياة العامة.
لذا فقد كان ظهور السفسطائيين تلبية لحاجة فكرية في المجتمع الاغريقي بعامة والأثيني بخاصة في القرن الخامس قبل الميلاد.