«إن تقييم أي شخص لا يكون بمقدار اتفاقك بالرأي معه أو مخالفتك إياه، ولكن بمقدار مصداقيته هو إزاء ما يعتقده أو يعلنه… »الأستاذ فهد درة أثناء لقاء صحفي في الأرجنتين
«إن تقييم أي شخص لا يكون بمقدار اتفاقك بالرأي معه أو مخالفتك إياه، ولكن بمقدار مصداقيته هو إزاء ما يعتقده أو يعلنه… »
في البداية أود أن أعترف بأني أشعر بشيء من الرهبة التي تبعث بعضاً من تحفّظ وتردّد خوفاً من عدم إنصافه وأنا أشرع في كتابة هذا التقديم عن مواطن من مدينة السقيلبية… رجل طيب، متواضع، مترفع عن ترف الدنيا وإغراءاتها، دافئ القلب، نظيف اليد والمندفع بحماسة للدفاع عن قضايا البسطاء والفقراء وحقوقهم،نمى وترعرع في رحم الحزب الشيوعي السوري وهو الذي ناصر وتحيز لقضايا الفلاحين والطبقة العاملة، والتزم بقضاياها للوصول إلى مجتمع خال من الاستغلال والسيطرة، وعلى الصعيد المحلي فيما يخص بلدته السقيلبية ومنطقته كان له اسهامات وخدمات كثيرة ان كان على صعيد نشر الفكر اليساري التقدمي والنهوض بالعمل السياسي في هذه المنطقة وكذلك على صعيد القضايا المطلبية التيتخص البلدة والمنطقة عموما والتي كان يجاهر ويطالب من أجل تحقيقها كما كان له الفضل في مساعدة وايفاد العشرات من أبناء هذه المدينة والمنطقة إلى الدول الأشتراكية السابقة للدراسة واكتساب الخبرات حيث ان هناك عشرات النماذج والأمثلة الحيّة من هؤلاء الخريجين تشهد على ذلك .
أبيض رأسه ولم يشيخ عقله و هو ذو قدرة على التطور والتكيف واستنباط دائم للافكار والحلول وهو احد السقلوبيين الآوائل ممن استقبلوا الأفكار الشيوعية، وحملوها في القلب والوجدان، رغم كل الصعاب وراحوا يبشرون بعالم جديد ، واستطاعوا أن يبنوا منظمة عميقة الجذور في هذه البقعة من الوطن الغالي .
قد نجد من كانوا معه في آرائه ومن كانوا يخالفونه فيها ومن حمّلوه شخصياً وزر مواقف أو أخطاء لا علاقة له بها على النطاق الشخصي، وإنما تبناها لأنها مواقف حزبه، لأنه دائماً كان يحترم التزامه الحزبي والتمسك بالأمانة التي تقضي التماهي مع قرارات الحزب وتعليماته، وقد نحمّله خطأ موقف هنا وموقف هناك، لكن من الصعب القول إن من أسباب مواقفه السعي لمصلحة شخصية، أو نتيجة تصرف غير مسؤول، ذلك لأن الالتزام الحزبي عنده هو الأول والأخير.
صورة من زمن الطفولة- مطلع الأربعينيات
*ولد فهد درة في مدينة السقيلبية عام 1933 من عائلة ميسورة درس المرحلة الأبتدائية في مدينة محردة ثم تابع دراسته في مدينة حمص في الثانوية الأرثوذوكسية وحصل فيها على الشهادتين الأعدادية والثانوية بعدها انتسب الى الجامعة الأمريكية في بيروت لدراسة الطب البشري وبقي فيها عام دراسي واحد بعدها فصل من الجامعة نتيجة نشاطه السياسي بين أوساط الطلبة بعدها عاد الى سورية وسجل في كلية الحقوق في جامعة دمشق الا أنه لم يكمل دراسته في كلية الحقوق وذلك لأنه أعطى كل وقته للعمل السياسي والحزبي ومن الجدير ذكره أن فهد درة ابو عهد هو أول معتقل سياسي في مدينة السقيلبية حيث اعتقل سنة1949 في حمص ومن ثم اعتقل في عام 1952 لمدة ثلاث أشهر في سجن المزة
.
فهد درة -الثاني وقوفاً، وبديع نسب الأول جلوساً-الكلية الأرثوذكسية1951- حمص
انتسب الى الحزب الشيوعي السوري عام 1949 ارتبطت حياته بنضال الحزب منذ أواخر الأربعينات، ويغمره الى الآن شعور الاعتزاز بتاريخ الحزب الذي كان ولا يزال له دوره المشرف في نضال شعبنا ووطننا … ، وكان لديه القدرة ليكون ميسور الحال لو أنه وضع أفكاره جانباً، أو احتفظ بها في قلبه دون أن يمارسها في حياته العملية، غير أنّ تكوينه الإنساني وإرادة المناضل لديه، جعلاه أبياً، يصون نفسه عن الوقوف في غير دائرة المناضلين ضد الظلم والاستغلال والفساد، وفي هذا ما فيه من مصاعب حياتية، لم تكن حصة فهد درة منها قليلة، فواجه ما واجهه، وعانى ما عاناه، لكنه حصد راحة الضمير التي لا تعادلها متعة في الحياة. لكن هذا الرجل الذي لم تؤلمه مصاعب الحياة، ولم تؤذِ نفسه مضايقات خصومه السياسيين في بعض المراحل، كان يتألم لشيء آخر، نعرفه… إنه ظلم ذوي القربى…، وهو كما نعلم أشد مضاضة من أي ظلم آخر لقد ظلمه عدد من ذوي قرباه، وهم بعض رفاقه ، ممن أصابهم الكثير من فضله وكرم نفسه ولكنهم على ما يبدو كانوا يشعرون بأنه أكبر منهم شأناً وأعلى مكانة ولم يحتملوا في كثير من الأحيان رفضه لأخطائهم ونقده لممارساتهم، وهو المعروف بصراحته في التعبير عن رأيه.
أمضى فهد درة في الحزب ما يقارب الخمسين عاماً، مرّ فيها بأحداث وظروف حلوة ومرة، من أبرز محطاته أنه من مؤسسين اتحاد الشباب الديمقراطي في سوريا 1949 وشارك في معظم مؤتمرات الحزب الشيوعي السوري ووصل في السبعينيات إلى اللجنة المركزية ثم إلى المكتب السياسي وعضو الأمانة المركزية للحزب حتى1992 انتخب في عام 1954
الرفيق فهد درة مع وفد من الحزب الشيوعي السوري -موسكو1980
مندوب عن شبيبة الأرياف السورية ومثل سورية في المؤتمر العالمي لشبيبة الأرياف في النمسا وفي عام 1972 حضر مؤتمر التعاون الدولي في بلغاريا وساهم كذلك بمداخلة في الندوة العالمية في موسكو بعنوان (ثورة أكتوبر والعالم المعاصر) بمناسبة الذكرى السبعين لثورة أكتوبر وحضر مؤتمر الشعب العربي في ليبيا وألقى مداخلة الحزب الشيوعي السوري وفي السنوات الأخيرة، وبسبب المشاكل الداخلية بين الشيوعيين السوريين، اعتزل التنظيم لكنه لم يقطع صلته بالنضال وأبقى على علاقات ودية مع جميع الأطراف وظل ماركسيا ملتزما ولم يبخل بخبرته الثرية على رفاقه وبقي الى الآن حامل هموم المجتمع والمتطلع إلى غد سعيد، وملتزم بقضايا الفقراء ويرى أن المواطن السوري الآن كم هو بحاجة الى خطاب سياسي واضح الأهداف… واضح الوسائل… واضح الأساليب… يكون نابع من واقع المعاناة اليومية لمواجهة مشاكل الحاضر وتحديات المستقبل لبناء وطن سيد وحر ومزدهر ويتطلع كذلك الى وحدة الشيوعيين السوريين للخلاص من ظاهرة الأنقسامات منطلقا من أن الحزب ليس ملكاً لفئة دون أخرى، ولا لحزبي دون آخر،ولا لهيئة ولا لهذا المسؤل الحزبي أو ذاك , هذا الحزب وجد ليكون لجميع الشيوعيين وليكون وعاءً يستوعب الجميع منطلقاً من ان الحياة لا تنتظر أحداً بل تسير مندفعة إلى أمام, رغم ما فيها من تعرجات, ولكنها لا تتوقف, ومن يتوقف لا يخسر الموقع الذي هو فيه فحسب, بل يسبقه الآخرون ويمكن أن يتحول إلى قوة ضعيفة على هامش الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية وهذا يقود الى أن تكون وحدة الشيوعيين السوريين نقطة إنطلاق لكل الشيوعيين فيها الحرص على جعل حزبهم أكثر قدرة على البقاء والأستمرار والتطور وأكثر فاعلية في حياة شعبنا وبلدنا وأكثر إسهاماً في تحقيق المهمات التي تطرحها الحياة وتحقيق التقدم والعدالة الأجتماعية.
د. فؤاد الضاهرمنقول عن موقع الفنان غيث العبدالله